پريغوجِن.. شهادة وفاة – شهادة ميلاد؟

0

بقلم علاء عمر

تداولت وسائل الإعلام الروسية والدولية في الساعات الماضية، ولا تزال، نبأ وفاة رئيس شركة “ڤاغنر” العسكرية الخاصة – يڤغيني پريغوجِن، وأقول وفاة الرجل لأنه يبدو أن هذه هي “الحقيقة المؤكدة”.. بغض النظر عما إذا كان پريغوجِن قد فارق الحياة بعملية اغتيال مدبرة أو جرّاء سقوط طائرة بين موسكو وبطرسبورغ حسب ما تم الإعلان عنه.

ويكفي أن يلقي أحدنا نظرة عابرة على نمط الحياة التي عاشها يڤغيني پريغوجِن، ليرجح أن شخصاً كهذا سيفارق الحياة مقتولاً.. حتى وإن وافته المنية وهو يجلس على ضفاف بحر يمسك صنارة يصطاد بها سمكة، وليخمن المرء أنه هو، أي يڤغيني پريغوجِن، كان الطُعم الحقيقي على الطرف الآخر من السنارة والمُستهدف من قِبِل جهة ما.

ومن الطبيعي أيضاً أن توجه أصابع الاتهام إلى الخصم الأبرز لپريغوجِن، كما يبدو للوهلة الأولى.. أي للرئيس الروسي – ڤلاديمير پوتِن، سيّما وأن الأول استفز الثاني بخيانة لا تُغتفر، ما يعني أن التهمة ثابتة في حق پوتِن.. مع الأخذ بعين الاعتبار تصريح الرئيس البيلاروسي – ألكسندر لوكاشينكو الذي قال إنه طلب من نظيره الروسي أن يعدل عن فكرة اغتيال يڤغيني پريغوجِن، بعد محاولة التمرد التي أقدم عليها قبل شهرين.

هل ڤلاديمير پوتِن معني بالتخلص من يڤغيني پريغوجِن؟

  • ما بين الدهاء والغباء

شخصياً أرى أن الجهة التي أقدمت عل تصفية پريغوجِن، بتفجير طائرة كانت تقله ومن معه من رجال الصف الأول في شركة “ڤاغنر”، قد تسببت بضرر للرئيس الروسي لقيامها بهذه الفعلة أولاً، وعلى هذا النحو ثانياً.. ما يجعل الأمر يبدو مُدبراً، وكأن هذا هو الهدف الأول من تصفية الرجل قبل أن يكون الهدف الثاني.. وإلا لكان من المنطقي أكثر أن يتم ذلك في النيجر أو في ليبيا جرّاء تعرض پريغوجِن لرصاصة طائشة.. كما أشرت في مقالٍ سابق بعنوان “سحر الروليت الروسية”، نُشِر في 8 أغسطس الجاري.

سحر الروليت الروسية

إذاً.. من الوارد جداً أنه تم اختيار طريقة التخلص من يڤغيني پريغوجِن بعناية وذكاء أقرب إلى الدهاء، لتحقيق الهدف الأهم بحيث تبدو مُدبرة.. أما إذا كان الأمر على عكس ذلك فهو دليل قلة حيلة وغباء.

بالإضافة إلى كل ما تقدم.. لا يبدو لي أن لڤلاديمير پوتِن مصلحة بالتخلص من يڤغيني پريغوجِن في هذه المرحلة الحرجة بالذات، ضمن المواجهة مع أوكرانيا، لما في ذلك من تبعات أبرزها أنه من الطبيعي أن يتم تصدير تصفية پريغوجِن في الظرف الراهن على أنه نجاح أوكراني، سيّما، وأن هذا الحدث تزامن مع الاحتفال بعيد استقلال أوكرانيا في 24 أغسطس.. وذلك في حال كان پريغوجِن قد لقي حتفه قبل ساعات فعلاً ولم تتم تصفيته منذ أسابيع.. على الرغم من أن الأوكرانيين، من جانب آخر ومع كل ما يكنّونه ليڤغيني پريغوجِن من كراهية، معنيين ببقائه على قيد الحياة بصفته إما مرشحا قويا لتكرار مشهد الانقسام الداخلي في روسيا أو مرشحا قويا يُلهم الراغبين بتكرار تجربته مع الأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التي سقط فيها.

الملفت هو أن الجهة التي تقف وراء اغتيال يڤغيني پريغوجِن لم تكترث لما يمكن أن يكون لديه من معلومات تفضحها في حال أقدمت على عمل كهذا – بصفته صندوقاً أسوداً يحتوي على معلومات عن هذه الجهة بحكم علاقاته المتشعبة إذ لا يُفترض أن تخطط جهة لا تمت لپريغوجِن بأي صلة لاغتياله – وهو ما يعني أن پريغوجِن كان يرى أنه في حصانة وأمان، ما يعني بدوره أن الجهة الأولى المعنية بتصفيته هي ذاتها الجهة الأولى المعنية بحمايته.. إلا في حال نجحت هذه الجهة، المعارضة لـ شركة “ڤاغنر” وللرئيس الروسي على حد سواء، بإزالة كل أثر يمكن تعقبه للوصول إلى ما من شأنه أن يثير التساؤلات حولها أو يدينها بشكل مباشر.

  • الشك سيد الموقف… الشك يغلب المنطق

قبل أيام، كان يساورني شك في أن يڤغيني پريغوجِن لا يزال على قيد الحياة، وهو ما أشرت إليه في المقال المذكور أعلاه. أما الآن.. بعد الإعلان عن مقتل پريغوجِن بهذه الطريقة الفجّة، بدأ الشك يساورني في صحة هذا الخبر، إذ أدت الوسيلة التي تم الإعلان عن أن الرجل قد فارق الحياة بها إلى انطباع وكأنه لا يزال بيننا.. بل قد يرجح بعضنا أن يكون پريغوجِن نفسه هو من فبرك هذه “المسرحية” كي يختفي عن الأنظار ويضع بيده النقطة النهائية في سيرته الذاتية.. ما قد يعني أن الخبر الذي يُفترض أن يعني استصدار شهادة وفاة يڤغيني پريغوجِن ليس إلا شهادة ميلاد جديد.. باسم يڤغيني پريغوجِن…

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top