بقلم: علاء عمر
10/10/2023
مقدمة لا بد منها… إسرائيل دولة إرهاب.. كاتب هذه السطور ضد التطبيع الذي يتم في الظرف الراهن.
صحيح إسرائيل دولة إرهاب.. لكن في لحظات محددة تدرك أن الإرهاب درجات.. على الأقل إسرائيل لا ترهب شعبها، ولا تمارس الفظاعات التي مارستها “حماس” مع عُزّل على مرأى ومسمع من العالم.
ما جاء بالسطر الأول من المقال يُظهر رأي كاتبه بوضوح.. وهذه رسالة خاصة موجهة للراغبين بالاصطياد في المياه العكِرة قبل أن يرموا سناراتهم فيها.
دار قبل أيام نقاش مع أحد الإخوة المسلمين من جمهورية داغستان وهو مدافع شرس عن عدالة القضية الفلسطينية ومؤيد قوي لحركة المقازمة الإسلامية “حماس”، فقلت له في سياق الحوار وبكلمات مقتضبة أن دفاعه عن فلسطين مرتبط أولاً بأنها تواجه إسرائيل اليهودية، وأن تأييده اللامحدود لـ “حماس” نابع من أنه نشأ وترعرع في الاتحاد السوڤييتي الذي كان يحارب الأديان، وعودته إلى الدين أو عودة الدين عموماً تشكل مكوّنا لهويته، الإسلامية هنا، تدفعه إلى الميل لكل ما هو إسلامي ورفض ما يخالفه أو حتى يتعارض معه في بعض الأمور، ومن هنا هو رافض لتأييد حركة “فتح” التي وإن كانت تصنف نفسها كفصيل مناضل لتحرير فلسطين، إلا أنها لا تفعل ذلك من المنطلق الإسلامي، ما يجعلها طرفاً خاسراً في المواجهة مع “حماس” للاستحواذ على عقول وقلوب المسلمين.. الجدد على الأقل.
وأضفت أن تلك الحركات المنطوية تحت مُسمّى “مقاومة إسلامية” كـ “حماس” في فلسطين المحتلة و” حزب الله” في لبنان المحتل إنما هي حركات من المؤكد أن إسرائيل معنية بوجودها، لا لشيء سوى أنها موجهة للداخل لتعزيز الانقسام الداخلي وتحدث انشقاقاً يربك الوضع بين أبناء الوطن الواحد، يتسبب بخلافات تجعلهم منشغلين في ما بينهم أولاً وأخيرا.
فلسطين المحتلة ولبنان المحتل؟ نعم.. هذان البلدان محتلان أولاً وقبل تصنيفهما محتلين من قِبل إسرائيل، إنما يتم احتلالهما على يد الفاسدين المتسلطين على شعبيّ البلدين في سدة الحكم.. وكذلك من قبَل حركتيّ “مقاومة” تدعيان الوطنية فيما أن نهجهما المعتمد يُظهر أنه لا علاقة لهما بأي وطنية.. على الرغم من أنني أبغض هذا المفهوم القميء.. وإن كنت أشير إليه هنا بالمعنى الإيجابي المُتعارف عليه لدى المخلصين للوطن.. علماً أن هذان البلدان أهدرا فرصة ذهبية مطلع القرن الماضي للانعتاق من التخلف والتحرر من العصبية الدينية، وإن كان عبر بلورة شعار ظاهره ديني، وذلك وفقاً لمخطط “فلسطين اليهودية ولبنان المسيحي”.. إلا أن هذا موضع بحث آخر.
ويبدو لي أن إسرائيل معنية بوجود “حزب الله” في لبنان أكثر من وجود حركة “حماس” في فلسطين، لأن الحركة تصدّر نفسها كحزب سياسي أكثر منه ديني، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار ارتباط الحركة العضوي بتنظيم “الإخوان المسلمين”، فهي حركة “المقاومة الإسلامية”، أي المقاومة أولاً.. ومن الوارد أن يتحول “حمساوي” اليوم إلى “فتحاوي” غداً، ليعود “حمساوياً” بعد غد.. وقد يصلي صاحبنا بجانب “رفيق النضال” بالحزب السابق في نفس المسجد وخلف ذات الإمام، لا بل قد يكون أحدهما هو الإمام. لكن في لبنان الوضع مختلف، إذ أن الانقسام، بل الشرخ اللبناني – اللبناني تجاوز الإطار السياسي فهو عقدي، وأي مواطن لبناني شيعي ينحاز لـ “الكتائب” مثلاً، أو لأي تيار ديني حتى إسلامي ولكن غير شيعي سيعتبر خائناً على المستوى العقدي لا السياسي فحسب، والعكس صحيح.. دون المعذرة عن الخوض في قذارات السياسة اللبنانية المرتبطة بالشأن المذهبي – الطائفي والخلافات المنبثقة عن الانتماءات الدينية القميئة.. إذ أن خطاب “حزب الله” يتجاوز “ثقافة المقاومة” فهو يستخدم مفردات دينية بحتة، وولاؤه، قبل ولائه للبنان، إنما للجمهورية الإسلامية الإيرانية.. أي الإسلامية أولاً.. أو الجمهورية الإسلامية في إيران كما هو وارد في الدستور الإيراني.. ربما في إشارة إلى أن الجمهورية الإسلامية اليوم في إيران، ومن الوارد أن تكون غداً في غير إيران.
وفي سياق الحوار أيضاً قلت لمحدثي أن إسرائيل تتمتع بالقوة الكافية لاجتثاث “حماس”، وذكرته بتصريح وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة – تسيپي ليڤني حين قالت في پاريس أن الهدف من عملية “الرصاص المصبوب” / 2008 – 2009 هو “إضعاف حماس”. نعم.. هي لم تقل القضاء على “حماس”.. وكما أقول في حالات كهذه.. ربما المشكلة ليست كبيرة في أن الكثير منا فقد القدرة على قراءة ما بين السطور، لكن المصيبة أن هذا الكثير فقد القدرة على قراءة السطور نفسها. بناءً عليه باستطاعة إسرائيل القضاء على “حماس” و”حزب الله” بسهولة.. بمجرد كفّ، أي صفعة، للأولى لأنها مكشوفة الظهر وعارية ومحاصرة، وليس لديها خطوط إمداد خلفية كما هو الحال مع “حزب الله”، الذي تحتاج إسرائيل إلى مجهود أكبر للتخلص منه حال اقتضى الأمر.. كفّين وشلّوط.
هكذا كنت أعتقد في السابق، أي حتى ساعات مضت. أما الآن فتبين أن الأمر يستوجب مجهوداً أكبر.. ربما ليس أكبر بكثير لكن ما أقدمت عليه “حماس” بهجوم غير مسبوق عل إسرائيل في 7 أكتوبر الجاري بعملية “طوفان الأقصى”.. أظهر أن الحركة تتمتع بقوة أكبر مما كانت عليه حتى سنوات قليلة.
الملفت أن إسرائيل أجرت تدريبات مؤخراً في الشمال، لصد هجوم محتمل من “حزب الله” ولتحييد حركة “حماس”.. لكن ما حصل هو عكس المتوقع.
غالباً ما نردد نحن العرب أن هزيمة إسرائيل في أي حرب تعني زوالها، ونعتبر أن هذه نقطة ضعف إسرائيل، علماً أن هذه النقطة على وجه التحديد هي قاعدة انطلاق ونقطة ارتكاز قوية للإسرائيليين الذين سيستميتون بالدفاع عن أرضهم ووطنهم لأنه لا بديل لهم عنه، فضلاً عن أن عدم وجود وطن بديل عن إسرائيل قد يعني أن الإسرائيليين، واليهود ككل، على موعد جديد مع كوارث متجددة.. فالأمر وجودي بالنسبة لهم وهم يدركون ذلك جيداً.. وكما جرت العادة، ما نظنه حفرة سقط فيها الإسرائيليون يتبين لاحقاً أنها خندق احتموا به.
من البدهي ربط إيران بالأحداث الأخيرة وتزايد الحديث حول التأييد الإيراني لحركة “حماس”، ما يعني اتخاذ خطوات حاسمة تجاه إيران، ما من شأنه أن ينعكس على الدعم الإيراني، السياسي على الأقل.. ليس للحركة فحسب وإنما لروسيا أيضاً بعمليتها العسكرية في أوكرانيا.
* إسرائيل وخيبة الأمم المتحدة
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، حرصت.. بعد اندلاع المواجهة الجديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، على متابعة نشطاء أوكرانيين وتغطيتهم للأحداث التي تشهدها إسرائيل الآن، ففوجئت أنهم يعتبرون أن فلسطين هي المعتدية، علماً أن المعتدي في الأصل هي إسرائيل لاحتلالها أراض فلسطينية ومن ثم عربية.. وهو ما يجمع العالم كله عليه عبر هيئة الأمم المتحدة التي منحت إسرائيل شهادة ميلادها.. فضلاً عن أنه ليست فلسطين هي الطرف الذي أعلن إطلاق عملية “طوفان الأقصى” لأن الطرف الذي هاجم إسرائيل هو “حماس” وليست السلطة المعترف بها، على عكس الوضع في حال أقدم “حزب الله” على الهجوم، لأن الحزب ممثل رسمياً بمسؤولين في الدولة اللبنانية وبوزراء وأعضاء پرلمان.. أضف إلى ما تقدم استخدام النشطاء الأوكرانيين مصطلحات على غرار “أراضي متنازع عليها” لوصف الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، علماً أنهم لا يستخدمون هذا المصطلح عند وصف الأراضي التي كانت حتى وقت قريب جزءً من أوكرانيا وباتت روسيا تسيطر حاليا عليها.
* الجوكر المحروق هو الورقة الرابحة
من المؤكد أن استهداف إيران أصبح أمراً مغرياً الآن بالنسبة للولايات المتحدة، وتحديداً لرئيسها جو بايدن، لما في ذلك من إمكانية ضرب عصفورين بحجر واحد.. أولهما القضاء على “حماس”، أو كحد أدنى إضعافها في حال ارتأت إسرائيل أن وجود شظايا الحركة يخدم مصالحها، وثانيهما تحجيم الدعم الإيراني لروسيا.. ما يعني أن إحراق الورقة الإيرانية سيكون بمثابة الـ” Jackpot” الرابح في جيب بايدن عشية خوضه الانتخابات الرئاسية.
تفيد الأنباء الواردة أخيراً أن إسرائيل بصدد قطع الإمدادات بالكهرباء وكل المؤن التموينية المتجهة إلى قطاع غزة.. وشخصياً أرى أن هذا القرار صائب. لماذا يجب على الفلسطيني أن يتحمل عبء الجميل الذي تقدمه له دولة الكيان الغاصب إسرائيل؟ فلتلجأ “حماس” إلى مصر وقطر وسوريا والجزائر، على الأقل هؤلاء أشقّياء عرب ومن المفترض أن بعضهم عدو لإسرائيل.. على المستوى المُعلن كحد أدنى. إسرائيل لا تريد أن يحل الفلسطينيون مشاكلهم على حسابها ومعها حق في ذلك.. لكن إسرائيل بكل تأكيد لن تعيق حل هذه المشاكل عن طريق مصر مثلاً. وإن كانت رام الله هي التي تسدد فواتير الكهرباء وما إلى ذلك من إمدادات لغزة.. سيظل الأمر داخلي فلسطيني – فلسطيني، ولتسدد رام الله المستحقات لأي بلد عربي يمد قطاع غزة باحتياجاته.
* “الطوفان” والتقارب السعودي – الإسرائيلي
يرى مراقبون أن أحد أهداف إطلاق “طوفان الأقصى”، أو ربما الهدف الأبرز إن لم يكن الوحيد، هو إحباط التقارب السعودي – الإسرائيلي والحيلولة دون توقيع اتفاقية سلام بين الرياض وتل أبيب. إذا كان هذا هو الهدف فعلاً من العملية.. وفي حال كان القرار بيدي أو كنت من أصحاب الرأي المسموع في المملكة – وعلى الرغم من أنني علاء عمر ضد التطبيع على النحو الذي يتم حالياً ولكنني أنادي به من حيث المبدأ على أساس الندية – إلا أنني كنت سـأقترح توقيع اتفاقية تدشين العلاقات مع إسرائيل لإحباط محاولة الإحباط وإفشالها، على أن يتم، وفي نفس اللحظة، قطع هذه العلاقات بين البلدين.. إذ أن عدم التوقيع شيء، والتوقيع على بدء العلاقات الدبلوماسية ثم قطع هذه العلاقات شيء آخر.. مع الإبقاء على قنوات تواصل، مباشرة لا عبر وسطاء، على مستوى وكيل وزارة الخارجية وهي في السعودية الأستاذة سارة بنت عبد الرحمن السيد – وسارا اسم منتشر عند اليهود أيضاً بطبيعة الحال، في سبيل التخفيف من معاناة الفلسطينيين.. ولربما يصب قرار كهذا في صالح الشعب الفلسطيني فعلياً، إذ سيجبر إسرائيل على تقديم تنازلات في هذا المنحى إكراماً للسعودية التي وقعت اتفاق السلام معها.
ربما توقَّع قادة “حماس” انضمام فلسطينيي الضفة الغربية عبر إشعال فتيل انتفاضة ثالثة.. لكن يبدو لي أن الأمر غير وارد لعدة أسباب، منها أن الفلسطيني في الضفة الغبية يعيش حياة أفضل، ما يعني أن لديه ما يفقده، مقارنة مع شقيقه الفلسطيني في قاع غزة، وإن كان في ظل احتلال إسرائيلي، علماً أن الفلسطيني في الضفة يعاني من احتلالين، وهو ربما يتخوف من سلطة رام الله ـ أو بالأحرى تسلط رام الله ـ أكثر من تخوفه من الاحتلال الإسرائيلي.. ما يعني أنه سيواجه قوتين ضاربتين.
ومن الوارد جداً أن موقف الرئيس الفلسطيني – محمود عباس الإيجابي إزاء عملية “طزفان الأقصى” يندرج في إطار خطوة استباقية لامتصاص غضب فئة من فلسطينيي الضفة الغربية المؤيدين لهذه العملية “غير الذكية”، أي التيار الأكثر تطرفاً في صفوف “حماس” أو حتى عموم الفلسطينيين، في حال عارضها.. دون الأخذ بعين الاعتبار بما سيترتب عليها.
ثمة معلومة، أو شبه معلومة متداولة عن القرود. القرد يقيس ما سيأكله بمؤخرته كي يعلم ما إذا كان سيخرجه أم لا.. أي لإدراك ما سيترتب على التهامه قطعة كبيرة لن يقدر أن يعالجها أو أن يتعامل معها. لا أدري ما إذا كانت هذه حقيقة علمية أم نكتة شعبية.. أو ربما حكمة غبية، لكن من الطبيعي أن يتوقع المؤيدون لحركة “حماس” أن قادة الحركة يتمتعون بما يتمتع به السعادين من فكر سوي بالفطرة.. فهل يُعقل أنهم لم يصلوا بمستوى تفكيرهم حتى إلى مستوى القرود؟
لا بد أن تكون “حماس” على استعداد للرد على الرد الإسرائيلي، بل العالمي، في ضوء إعلان إسرائيل قبل دقائق الحرب الشاملة على قطاع غزة، وكذلك في ضوء الخبر القديم حول نشر فرقاطة وبوارج فرنسية في يناير 2009 بمحاذاة قطاع غزة لمراقبته ورصد تحركات “حماس”. لا بد أن تكون الحركة على أهبة الاستعداد ولا يمكن أن يكون العكس هو الصحيح.. إلا إذا أصبحت فرنسا فرنجستان وباتت بريطانيا إمارة لمدم. بناءً عليه.. وبما أن الحديث عن منظمة إرهابية.. هل هناك “ألغام” زرعتها “حماس” في داخل الخط الأخضر، تتمثل بـ بعض عرب الداخل الذي يعتبر طابوراً خامساً في إسرائيل؟
أما في حال لم يكن لدى “حماس” اي استعداد يتوافق مع مستوى الحدث الذي بادرت هي لافتعاله، فهذا لن يكون أكثر من “نكتة”.. مع كل ما تحمله من مآسي ومعاناة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.. ولا فرق لديّ في مستوى التعاطف والتضامن مع أي من الشعبين فكلنا بشر.. وربما أفضل تعبير عن هذه الحالة ما جاء بلقطة من فيلم “Three Amigos”.. حين قال أحد أبطال الفيلم الذين اقتحموا قلعة رئيس العصابة لإنقاذ الفتاة الحسناء.. “نحن لم نفكر في الجزء الثاني من الخطة لأننا لم نتوقع نجاح الجزء الأول”.
وأخيراً.. مجرد تساؤلات على الهامش.. من أعطى الحق للمتحمسين لـ “حماس” بتخوين منتقديها؟ لماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ … علماً أنني أرفض مبدأ التخوين أصلاً.. ولكن لماذا يحتكر دعاة الوطنية حب الوطن دون اكتراث، كما يبدو من تعليقاتهم، لحال المواطن؟!!!
وهل سيكون من المستغرب، في حال قضاء إسرائيل على حركة “حماس” وتحرير قطاع غزة منها، أن يستقبل الغزيون المحتلين «الجدد» استقبال الفاتحين؟
… إذا تكوّن لديك انطباع أنني منحاز أو مؤيد لإسرائيل عد لبداية هذه المادة واقرأ السطر الأول، فيها… … …
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر الموقع
.png)