دفاع العرب Defense Arabia
العقيد الركن م. ظافر مراد
وقّعت الهند وفرنسا، في 28 أبريل/ نيسان الماضي، بمدينة سان كلو الفرنسية، اتفاقية حكومية بحضور رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “داسو للطيران”، إريك ترابييه، لشراء 26 مقاتلة من طراز “رافال إم – Rafale M” المخصصة للبحرية الهندية، ما يجعل الهند أول دولة خارج فرنسا تعتمد هذه النسخة البحرية من مقاتلات رافال.
وتمثّل هذه الصفقة دفعة قوية لقدرات الهند الجوية والبحرية، إذ ستعزز مقاتلات رافال إم من فعالية حاملة الطائرات الهندية، وتُعد بديلًا متوقعًا لطائرات “ميغ 29K” العاملة حاليًا. وإلى جانب 36 مقاتلة رافال الموجودة في الخدمة لدى سلاح الجو الهندي، فإن النسخة البحرية ستوفر للهند إمكانات متطورة، مستفيدة من الخبرات الفرنسية في تشغيل هذا الطراز.

تتميز “رافال إم” بكونها مقاتلة متعددة المهام، مصممة خصيصًا للعمل من على حاملات الطائرات وفي بيئات بحرية-جوية قاسية. وتأتي بهيكل مُعزز، وذراع أمامي أطول، وخطاف هبوط أكبر، وسلم صعود مدمج. كما تُعد الطائرة المقاتلة الوحيدة غير الأميركية القادرة على العمل من حاملات الطائرات الأمريكية. ويُذكر أن الهند دفعت مبالغ إضافية لتعديل الطائرة بما يتناسب مع المناخ القاسي في البلاد، حيث قد تتراوح درجات الحرارة بين +50 و–50 درجة مئوية. وشملت الصفقة أيضًا عقود صيانة، وتدريب، وتسليح، ومنظومات صواريخ ورادارات، وبلغت قيمتها نحو 7.5 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أضخم صفقات التسليح العالمية الحديثة.

رغم تلك القدرات، أظهرت مواجهة جوية مع باكستان قصورًا في الأداء العملياتي الهندي، إذ أفادت تقارير عالمية بإسقاط 5 طائرات هندية، منها 3 من طراز رافال، نتيجة تفوق باكستان في تكامل منظومة القيادة والسيطرة الجوية. فقد دمجت باكستان بفعالية بين الرادارات الأرضية، والمقاتلات، وطائرات الإنذار المبكر، ونجحت في تنفيذ ضربة جوية دقيقة باستخدام صواريخ صينية PL-15E أُطلقت من مقاتلات J-10C، من مسافة وصلت إلى 182 كيلومترًا، بينما فشلت المنظومة الهندية المختلطة في الاستجابة الفورية، بسبب تعدد مصادر تقنياتها (غربية، روسية، إسرائيلية، وهندية)، وهو ما يعقّد التكامل العملياتي.

جاءت هذه المواجهة لتطرح تساؤلات حول جدوى وأهداف اعتماد إستراتيجية تعدُّد مصادر السلاح، فمن المعروف أيضاً أن باكستان تعتمد نفس إستراتيجية الهند لناحية تعدد مصادر التسليح، وذلك من دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول شرقية وعلى رأسها الصين، وقد ازداد التعاون العسكري الصيني-الباكستاني مؤخراً بشكلٍ كبير، وفي العادة، تأتي هذه الإستراتيجية ضمن “إستراتيجية الأمن الوطني” التي تصدر عن السلطة السياسية، وتحدد كيفية تطوير واستخدام عناصر القوة الوطنية، ومن ضمنها القوة العسكرية، لحماية مصالح الدولة. والدول تعتمد هذه الإستراتيجية في معظم الأحيان، عندما لا تريد رهن قرارها الأمني والسياسي لجهة محددة، أي أنها تريد سياسة دفاعية متوازنة ومستقلة تستطيع من خلالها تحرير قرارتها التي تحفظ مصالحها الوطنية من أي ضغوط خارجية، مثل قرار الحياد في مواجهة الانحياز، ودرجة الالتزام بسياسات العقوبات والحظر على دولة أو جهة معينة، وعرقلة اكتساب وحيازة قدرات عسكرية محددة.
لا شك أن هذه الإستراتيجية هي خيار جيد، فعَّال، وحكيم، ولكن تكمن خطورته على مستوى الإستراتيجية العسكرية في النواحي التقنية والتشغيلية لمنظومات قتال مختلفة ومتعددة المصادر، والتي يجب في المعركة المشتركة أن تعمل بشكلٍ متناسق ومتكامل ومتعاون، بحيث يؤدى كل عتاد وكل سلاح وكل قدرة تكنولوجية الدور المطلوب والفاعل في منظومة القيادة والسيطرة وإدارة المعارك، وذلك على المستويات الإستراتيجية والعملياتية والتكتية، وفي أي معركة أو مواجهة عسكرية مستقبلية، والتي من المفترض أن تكون تقديراتها وشروط نجاحها مدروسة ومحددة وجاهزة في خطط العمليات عند القيادات العسكرية، وهنا يقع اللوم على المستوى العسكري صاحب الاختصاص والخبرة، حيث يُطلب منه وضع المستوى السياسي في صورة التحديات الناتجة عن اختيار مصادر الأسلحة من دول ومصادر مختلفة، وينطبق ذلك على وجه الخصوص في تعزيز قدرات المعركة الجوية وكامل المنظومات المساعدة فيها، حيث تعمل طائرات ورادارات وتقنيات مختلفة معقدة في إدارة المواجهة وحسم نتائجها.
إن اعتماد مصادر مختلفة لتسليح الجيوش بقدرات حديثة، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إمكانية مواءمة تلك القدرات وإمكانية عملها بشكلٍ متعاون وفاعل، وإن اي خطأ في القرار في هذا المجال، يجعل من الجيش الوطني عبارة عن قدرات عسكرية حديثة، ولكن متناقضة وغير صالحة للعمل المشترك، خاصة أن المعركة الحديثة اصبحت مواجهة متعددة المجالات ومتنوعة القدرات ومعقدة التخطيط والتنفيذ.

The post الهند – باكستان واستراتيجية تعدد مصادر السلاح appeared first on Defense Arabia.