دفاع العرب Defense Arabia
فشلت أجهزة الأمن والإستخبارات الروسية مرة أخرى في حماية وتأمين قواعدها ومعداتها العسكرية الإستراتيجية، لقد كانت العملية التي أُطلق عليها تسمية “شبكة العنكبوت” ضربة غير مسبوقة طالت قدرات استراتيجية روسية في العمق الروسي، ما يؤكد وجود العديد من الثغرات في منظومة الأمن والإستخبارات التي من المفترض في ظروف الحرب أن تعمل على أعلى قدر من الجهد والحرص الدقيق لحماية القدرات العسكرية والأمنية في لحظة هامة وحرجة من مسار المفاوضات الروسية_الأوكرانية المقامة في اسطنبول.

في تفاصيل العملية أن الهجوم الأوكراني بالمسيرات، والتي تم إدخالها إلى مناطق متعددة وفي العمق الروسي البعيد، إستهدفت 4 قواعد جوية روسية هي “بيلايا”، دياغيليفو”، أولينيا” و”إيفانوفا”. وفقاً للمعلومات الواردة من الإستخبارات الأوكرانية تم تدمير 40 قاذفة إستراتيجية روسية نوع “TU 95″ و”TU 22 M” وطائرة إستطلاع روسية نوع “A-50″، وقدِّرت الخسائر وفقاً للمصادر الأوكرانية بأكثر من 7 مليار دولار، بينما قدرتها مصادر غربية ب 2.2 مليار دولار، وقد تزامنت هذه العملية مع تفجير جسرين في مقاطعتي كورسك وبريانسك، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى.


إن أبرز الإستنتاجات المستخلصة من هذه العملية، أولاً: الفشل الروسي الأمني والإستخباراتي، حيث وعلى الأرجح، تم تصنيع هذه المسيرات في الداخل الروسي، وتم نقلها في سقف حاويات لشاحنات ضخمة وصلت إلى مناطق الإستهداف. ثانياً: أن عملية من هذا النوع، وعلى الرغم من لا مركزية التنفيذ، إلا أنها تتطلب إدارة وتوجيه منسق وعالي المستوى كونها حصت بالتزامن في 4 مناطق عمليات متباعدة بشكلٍ كبير، وهذا لا يمكن أن يتم بواسطة قدرات أوكرانية دون دعم ومساعدة تقنية غربية، ومن أبرز الأدلة على ذلك، سرعة نقل الحدث على مواقع غربية قبل المواقع الأوكرانية وبعد دقائق من حدوثه، كما أن الفيديوهات الأولى التي تسربت أظهرت في الشاشات مصطلحات وكتابات إنكليزية، ثم تم لاحقاً إضافة مصطلحات وكتابات باللغة الأوكرانية عليها. كما أن المسارعة في الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالعملية من الجانب الأوكراني والتصريح بأن زيلينسكي ومنذ سنة ونصف يشرف على التخطيط لهذه العملية، هو مسألة غير منطقية في عمليات إستخباراتية حساسة ودقيقة مثل هذه، ويبدو وكأن التصاريح جاءت لتنفي مسؤولية الغرب عنها.



ثالثاً: بات واضحاً أن مستوى الحرب إنتقل إلى مرحلة جديدة أكثر حدة وخطورة، وهذه المرحلة تقودها أوروبا، وبالتحديد فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وبالتالي فإن الأيام القادمة ستحمل مستويات عالية من التصعيد، وستشهد خرق لخطوط حمراء وإستهدافات لمواقع ومناطق ومنشآت خطرة جداً. رابعاً: هذه العملية ستضع جهود التفاوض الروسي-الأوكراني في مرحلة جمود فعلي عل الرغم من استمرارها عملياً، حيث أن الأوروبيون يريدون توجيه رسالة مزدوجة، لروسيا مفادها أن مستمرون بدعم أوكرانيا للنهاية، ولأميركا أنهم يستطيعون إتخاذ القرار المستقل مهما كانت خطورته للدفاع عن المصالح الأوروبية وحمايتها من التهديد الروسي.
أما الإستنتاج الخامس والأخير، وهو الأكثر خطورة، أن أوروبا مستقلة أو من خلال الناتو، تستعد فعلياً وجدياً لدخول الحرب ضد روسيا، فكافة التقارير حول جهود التسلح وتعزيز القدرات في المانيا وفرنسا وبريطانيا وبولندا، تشير إلى التحضير لهذه الحرب، ويظهر ذلك بوضوح في عملية التركيز على أنواع محددة من المعدات والاسلحة، والتي تناسب المواجهة المحتملة سواء كان في البر من خلال أوكرانيا وبولندا، أو في الجو والبحر والفضاء من خلال تعزيز القدرات الجوية والبحرية والصاروخية لدى هذه الدول، حيث يتم التركيز على تعزيز قدرات مصانع الذخائر والصواريخ بشكلٍ غير مسبوق. إضافةً إلى ذلك، تعمل الدول الاوروبية على تعزيز قدرات وخبرات أوكرانيا العسكرية، وجعلها اكثر إستقلالية من خلال في بناء مصانع أسلحة متقدمة في الداخل الأوكراني، لا سيما مصانع المسيرات وذخائر المدفعية والصواريخ قريبة ومتوسطة المدى، أما في شأن المواجهة النووية المحتملة، وهنا بيت القصيد، فإن عملية شبكة العنكبوت أضعفت قدرات روسيا في ثالوثها النووي بشكلٍ كبير، وهي عملياً لم تعد قادرة على التدخل بشكلٍ فاعل في كافة مسارح العمليات المرتقبة في المواجهة مع الغرب، حيث تم بتر عدد هام من أذرعها الطويلة القادرة على توجيه ضربات تقليدية أو نووية، فالقواعد قرب فنلندا وقرب منغوليا، لم تستخدم لضرب أوكرانيا، وهي لا تشكِّل تهديداً فعلياً لأوكرانيا بقدر ما تشكل تهديداً للناتو.
كما كانت عملية إحتلال منطقة “كورسك” مفاجئة وموجعة للجانب الروسي، جاءت هذه العملية لتكون أكثر تاثيراً على المعنويات وعلى سمعة أجهزة الإستخبارات الروسية، وبنتيجتها سيتم إقالة مسؤولين كبار في هذه الأجهزة، فاحتلال كورسك وعلى الرغم من النجاح السريع آنذاك، يُعتبر خطأ إستراتيجيا عسكريا فادحا، حيث تم لاحقاً تحرير هذه المنطقة من قبل الجيش الروسي بمساعدة قوات من كوريا الشمالية، وتكبد الجيش الأوكراني خسائر كبيرة هناك بسبب عدم القدرة على تثبيت مواقعه والصمود فيها، وجاءت هذه المغامرة دون تحقيق إنجاز إستراتيجي على المدى البعيد، أما بالنسبة لعملية شبكة العنكبوت، فربما يكون من المبكر الحديث عن نتائجها أو توقع تداعياتها لاحقاً، إلا أن الايام القادمة ستوضح كل شيء.
ينتظر العالم الرد الروسي، وهو على الارجح سيكون رداً قاسياً وقد يحمل في طياته رسائل متعددة، أولها خرق لخطوط حمراء مفترضة، وثانيها حجم كبير من الدمار وخسائر هائلة للجانب الأوكراني، وثالثها إستخدام قدرات عالية المستوى وعلى الارجح مجموعة كبيرة من الصواريخ فرط صوتية التي لا يمكن التصدي لها. أما مكان الضربة المتوقع، فقد يكون العاصمة كييف، ولكن على الأرجح سيتم استهداف ميناء أوديسا وشبكة النقل الواسعة المرتبطة به من طرقات وسكك حديدية، إضافةً إلى المنشآت الخدماتية الأخرى العاملة فيه، ما يمكن أن يدمره بشكلٍ كامل، أو أن يعطله لوقتٍ طويل.

The post تدمير القاذفات الإستراتيجية الروسية: نقطة تحول في الحرب الروسية – الأوكرانية appeared first on Defense Arabia.