استراتيجيات الخداع والحرب الإلكترونية: تحليل لعملية “مطرقة منتصف الليل”

0

دفاع العرب Defense Arabia

خاص – دفاع العرب

تتصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط باستمرار، وتُشكل الطموحات الاقليمية لبعض الدول محورًا رئيسيًا لهذه التوترات.

في هذا السياق، تكشف عملية “مطرقة منتصف الليل” عن بعد جديد في معادلة القوة العسكرية، مسلطة الضوء على قدرات هجومية متطورة يمكن أن تغير قواعد اللعبة. هدفت هذه العملية التي نفذتها قاذفات القنابل الشبحية الأسطورية من طراز B-2 Spirit، إلى ضرب منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، وهي حصن منيع مدفون في عمق الجبال. تُظهر هذه العملية، بكل تفاصيلها المعقدة، كيف يمكن لقوة جوية قوية، مدعومة بتكتيكات خداع متقدمة وحرب إلكترونية مكثفة، أن تتجاوز حتى أقوى الدفاعات.

فهل تُشكل هذه القدرات الإجابة النهائية على تحدي المنشآت النووية المحصنة، أم أنها تفتح الباب لسباق تسلح جديد وأكثر تعقيدًا؟

خلفية العملية: تحدي فوردو النووي

تُعد منشأة فوردو النووية الإيرانية، الواقعة بالقرب من مدينة قم، واحدة من أكثر الأهداف النووية تحديًا في العالم.

بنيت المنشأة في عمق جبل، وتحصّنت بشكل استثنائي لجعلها منيعة أمام الضربات التقليدية. يقع قلب المنشأة، حيث تجري عمليات تخصيب اليورانيوم، على بعد حوالي 200 متر من مدخل النفق، ومحميًا بطبقة سميكة من الصخور والخرسانة المسلحة. تُشكل هذه التحصينات الطبيعية والصناعية معًا درعًا دفاعيًا يكاد يكون مستحيلاً اختراقه بأسلحة تقليدية. يُضاف إلى ذلك، أن الموقع الجبلي يوفر حماية طبيعية إضافية ضد الاستهداف المباشر من الجو، مما يرفع من مستوى التعقيد لأي عملية هجومية محتملة.

تنفيذ عملية “مطرقة منتصف الليل”: فن الخداع والقوة النارية

أبرزت عملية “مطرقة منتصف الليل” نهجًا متعدد الطبقات لتجاوز الدفاعات الجوية الإيرانية الصعبة، معتمدة على التنسيق الدقيق بين مختلف الأصول العسكرية:

  • المرحلة الأولى: تكتيكات الخداع الاستراتيجي: بدأت العملية بإطلاق مجموعتين من قاذفات B-2 Spirit. حلقت المجموعة الأولى غربًا، متجهة نحو المواقع الأمريكية المتقدمة كطُعم واضح يهدف الى إثارة انتباه أنظمة المراقبة الدولية والاستخبارات الإيرانية. في المقابل، أتجهت مجموعة الهجوم الرئيسية، المكونة من 7 قاذفات B-2، شرقًا نحو إيران، حاملة قنابل “مخترق الذخائر الضخمة” (MOP) القادرة على اختراق التحصينات العميقة. يُعزز هذا التكتيك من فرص الوصول غير المكتشف إلى الأهداف الحيوية.
  • المرحلة الثانية: الدعم اللوجستي والتفوق الجوي: تستلزم مهمة بهذا الحجم، والتي تُقدر بـ 37 ساعة ذهابًا وإيابًا، دعمًا لوجستيًا هائلاً. وفرت طائرات التزويد بالوقود KC-135 Strato التزود الدقيق بالوقود جوًا في المجال الجوي الدولي، مما ضمن قدرة القاذفات على إتمام مهمتها دون الحاجة للهبوط. تُظهر هذه القدرة على التزود بالوقود في الجو مرونة القوات الجوية الأمريكية وقدرتها على تنفيذ عمليات بعيدة المدى.
  • المرحلة الثالثة: شل الدفاعات بالحرب الإلكترونية: مع اقتراب قاذفات B-2 من المجال الجوي الإيراني، فعّلت القوات الأمريكية مجموعة واسعة من تكتيكات الحرب الإلكترونية. نُشرت وسائل الخداع وأنظمة التشويش المتطورة لإعماء الرادارات الإيرانية وشل أنظمة الدفاع الصاروخي. يخلق هذا حاجزًا إلكترونيًا يمنع اكتشاف القاذفات، مما يفتح ممرات آمنة للتقدم نحو الهدف.
  • المرحلة الرابعة: الهجوم المتزامن لتشتيت العدو: قبل حوالي ساعة من وصول قاذفات B-2، أطلقت غواصة تابعة للبحرية الأمريكية أكثر من 30 صاروخ كروز باتجاه موقع أصفهان النووي. هدف هذا الهجوم الثانوي إلى إحداث الفوضى وتشتيت انتباه الدفاعات الجوية الإيرانية، مما أجبرهم على تقسيم مواردهم وأضعف قدرتهم على الاستجابة للتهديد الرئيسي القادم من قاذفات B-2.
  • المرحلة الخامسة: الضربة الحاسمة بقنابل MOP: أطلقت قاذفات B-2، عند وصولها إلى منطقة الهدف، 14 قنبلة MOP على فوردو ونطنز. صممت هذه القنابل لاستهداف الحافة الجبلية الواقعة مباشرة فوق شبكة الأنفاق وقاعات التخصيب تحت الأرض. يُعد هذا الاستهداف الدقيق حاسمًا في تحقيق الاختراق اللازم لتدمير المنشآت المحصنة.

B-2 Spirit: تحفة التكنولوجيا الشبحية

تُمثل قاذفة B-2 Spirit أيقونة الهندسة العسكرية، وتُجسد قمة تكنولوجيا التخفي:

  • تصميم غير تقليدي لتحقيق التخفي: تُخالف B-2 التصميم التقليدي للطائرات القاذفة؛ إذ تفتقر إلى المثبتات العمودية التي تُعرف بأنها تُشكل انعكاسًا كبيرًا لموجات الرادار. تستخدم بدلاً من ذلك دَفّات السحب المقسمة لتحقيق الاستقرار الاتجاهي، مما يُقلل بشكل كبير من بصمتها الرادارية. على الرغم من أن هذا التصميم يجعل منعطفاتها بطيئة للغاية، إلا أنه يُقدم تفوقًا لا يُضاهى في التخفي.
  • مواد البناء المتقدمة: سر المتانة والتخفي: تُدمج الطائرة مجموعة واسعة من المواد المتطورة التي تُساهم في قدرتها على التخفي ومتانتها الهيكلية. تُستخدم راتنجات الإيبوكسي المدعمة بالألياف الزجاجية للحواف، وراتنجات الإيبوكسي المدعمة بالجرافيت للأجنحة، والألومنيوم لمقصورة الطاقم. كما تُستخدم مواد مثل التيتانيوم وراتنجات البوليميد المدعمة بالألياف الزجاجية في المناطق القريبة من المحركات، حيث تُقاوم درجات الحرارة العالية. تُسهم هذه المواد المتخصصة في امتصاص موجات الرادار وتشتيتها، مما يُقلل من فرص اكتشاف الطائرة.
  • الطلاء الممتص للرادار (RAM): الدرع الخفي: تُغطى B-2 بطلاء سري للغاية، يعتمد على البوليمرات، يُعرف باسم مادة ممتصة للرادار (RAM). تُساهم هذه المادة في امتصاص الطاقة الكهرومغناطيسية لموجات الرادار بدلاً من عكسها، مما يجعل الطائرة شبه غير مرئية للأنظمة الدفاعية المعادية.
  • القدرات التسليحية المتنوعة: تُعد B-2 Spirit منصة أسلحة متعددة الاستخدامات، قادرة على حمل ترسانة هائلة. تستطيع حمل 80 قنبلة من طراز Mark 82، مما يجعلها قادرة على إحداث دمار واسع النطاق. إضافة إلى ذلك، يُمكنها حمل 16 صاروخًا جو-أرض من طراز AGM-158 JASSM، مما يُتيح لها استهداف أهداف بعيدة بدقة عالية.

قنبلة MOP: المطرقة التي لا تُصد

تُمثل قنبلة MOP (Massive Ordnance Penetrator)، أو “مخترق الذخائر الضخمة”، ذروة تكنولوجيا اختراق التحصينات، وهي السلاح الأمثل لاستهداف الأهداف المدفونة بعمق:

  1. منصة إطلاق القنبلة: تُطلق قاذفة B-2 نظام سلاح MOP من ارتفاعات عالية جدًا، مما يُوفر لها الطاقة الكامنة اللازمة لتحقيق أقصى قدر من الاختراق عند الارتطام.
  2. دقة الاستهداف: تُوجه القنبلة بدقة متناهية باستخدام أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) وأنظمة الملاحة بالقصور الذاتي (INS)، مما يضمن وصولها إلى الهدف المحدد بأقصى درجة من الدقة.
  3. تعديل المسار: تُعدل أربع زعانف شبكية في الجزء الخلفي من القنبلة مسارها في الوقت الفعلي أثناء هبوطها، مما يُصحح أي انحرافات ويُحافظ على مسارها الدقيق نحو الهدف.
  4. التأثير والاختراق: تُصمم القنبلة، التي يبلغ وزنها 30,000 رطل، لتضرب الهدف بقوة هائلة. تُمكنها هذه القوة، بالإضافة إلى تصميمها الخاص، من اختراق أكثر من 200 قدم من الخرسانة المسلحة، مما يجعلها قادرة على الوصول إلى أعمق الغرف والتحصينات تحت الأرض.

التداعيات والدروس المستفادة:

تُلقي عملية “مطرقة منتصف الليل” بظلالها على مستقبل الدفاعات الجوية والبرامج النووية السرية، وتُرسل رسالة واضحة مفادها أن القدرة على التحصين العميق، وإن كانت تُوفر حماية كبيرة، لم تعد تُشكل حصانة مطلقة أمام التطورات الهائلة في الأسلحة الدقيقة ومنصات الإطلاق الشبحية. تُجبر هذه القدرات الاستراتيجية الدول على إعادة تقييم جدوى واستدامة برامجها النووية المحصنة، وتُبرز الحاجة إلى تطوير دفاعات جوية أكثر تطوراً وتنوعًا لمواجهة التهديدات غير التقليدية.

The post استراتيجيات الخداع والحرب الإلكترونية: تحليل لعملية “مطرقة منتصف الليل” appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top