دفاع العرب Defense Arabia
يترقب العالم حدث إنضمام الولايات المتحدة إلى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، واحتمالات رفع التصعيد إلى مستوى حرب واسعة وشاملة قد تشمل أطرافاً ودولاً أخرى. ولمن يتساءل عن إحتمالات دخول اميركا في الحرب على إيران، الجواب هو بالتأكيد، والتأكيد هنا يأتي من خلال الفهم العميق لكيفية إدارة الصراعات والحملات العسكرية الكبرى من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وفي الوقت الذي يصرح فيه المسؤولون الإسرائيليون أنهم بإنتظار قرار ترامب بالدخول في الحرب، هم يدركون تماماً وبثقة عالية أن المسألة هي مسألة وقت.

تتعامل الولايات المتحدة الاميركية مع كل حالة أمنية تهدد مصالحها مهما بلغ مستواها، بكثير من الإهتمام والجدية والحرص، وهي تضع خططاً جاهزة في كيفية التعامل معها في حال وصولها إلى درجة الخطر الكبير والوشيك، حينها تبادر إلى تنفيذ الخطة الجاهزة لمواجهة هذه الحالة، مع إدخال التعديلات النهائية التي تتناسب مع الواقع الميداني. لا شك أن هناك خططاً حربية جاهزة للتدخل ضد إيران، وما يجري حالياً هو إجراء التعديلات النهائية على هذه الخطط، ويشمل ذلك تحضير الموارد والقدرات اللازمة لضمان نجاح هذه الخطط، وتحضير الجمهور الأميركي للحرب من خلال حملة نفسية، وكسب الرأي العام العالمي من خلال صقل البيئة الديبلوماسية كي تكون متوافقة مع القرار الأميركي، ومن خلال إثبات ما يسمى “عدالة القضية” التي تعمل من أجلها الولايات المتحدة الاميركية، ويبدو فعلياً أن البيئة الخارجية الغربية، أصبحت متوافقة تماماً مع خطط التدخل الأميركي، وفي الأمثلة على ذلك التصريحات الداعمة لقرار الدخول في الحرب ضد إيران خلال اليومين الأخيرين، والتي تطالب بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وجاءت هذه المطالبات على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية والمستشار الألماني ورئيس وزراء اليابان وغيرهم من المسؤولين والديبلوماسيين الغربيين.
بات واضحاً أن هناك عملية تهيئة دولية لتوسيع نطاق الحرب على إيران، وقد لا يقتصر ذلك على التصريحات فقط، فمن الممكن أن يتم بناء تحالف غربي ضد إيران كما حدث في العراق، ويكفي أن نستعرض الأشخاص الذين حضروا الإجتماع مع ترامب، وهم (نائبه جي دي فانس، مستشار الأمن القومي المؤقت، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وزيرة العدل، وزير الدفاع، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مديرة الإستخبارات الوطنية، والمبعوث ستيف ويتكوف)، لندرك مستوى الجدية والخطورة في القرارات التي كان من المتوقع أن تصدر عن هذا الإجتماع، وفي المعلومات أن التدخل الأميركي ينتظر تهيئة بعض الظروف الميدانية المتعلقة بسلامة القوات الأميركية ونجاح عملياتها، مثل إعادة الإنتشار للقوات الإستراتيجية، تحضير غرفة العمليات المشتركة في القيادة المركزية التي ستقود تنفيذ الحملة، وتأمين بعض المواقع والقواعد في المنطقة.
يُخطيء من يظن أن قرار دخول الحرب هو قرار يتَّخذ بشكلٍ ظرفي طاريء، فهذا لا يمكن حدوثه لأن متطلبات الإنخراط فيها تتطلب وقتاً وتحضيرات هائلة في الموارد المادية والبشرية، وصقل للبيئة الدولية بما يتناسب مع طبيعة وأهداف الحملة العسكرية الكبرى، وهذا ما حدث ويحدث منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على إيران منذ فجر يوم الجمعة في 13 حزيران الحالي بعد آخر جولة من المفاوضات، وفي هذا الإطار، يبدو أن المفاوض الأميركي خدع المفاوض الإيراني وورطه في موقف متصلب لا يمكن الرجوع عنه، وذلك في مسألة الحق في تخصيب اليورانيوم وعدم القبول بالتنازل عن هذا الحق، وهذا الموقف جاء على لسان عدة مسؤولين إيرانيين، أبرزهم المرشد الأعلى علي خامنئي، وحصل ذلك بالتحديد بعد طرح هذه المسألة في آخر إجتماع بين عرقجي وويتكوف، حينها صرَّح ترامب بأن الأمور جيدة جداً ونحن على الطريق الصحيح، ما تم تفسيره على أنه مرونة أميركية ونية في التوصل إلى إتفاق بأسرع وقت. بينما يقوم ترامب حالياً بطلب الإستسلام غير المشروط من إيران، وهو يعلم أن ذلك مستحيل ولا يتوافق نهائياً مع رؤية القيادة الدينية صاحبة القرار، ومع هيبتها في إيران وموقعها ودورها في الصراع مع إسرائيل.
شكَّل الموقف الميداني الحالي والغامض بعض الشيء لجهة قدرات إيران الصاروخية، حالة تستدعي التحقُّق بشكلٍ دقيق جدي وحذر، وهذا الموضوع أُخذ في عين الإعتبار في إجتماع ترامب الأخير، حيث تم عرض تقرير عن ما تبقى من قدرات إيران العسكرية ومدى خطورتها على القوات والمصالح الأميركية في حال تدخلها، وتبين أن إيران ما زال لديها قدرات صاروخية كبيرة، ولديها ما يكفي من حرية الحركة لإطلاق كميات كبيرة من هذه الصواريخ، وهي تعتمد التدرج في إستخدام القوة بشكلٍ تصاعدي، حيث تم في الضربة الأخيرة على إسرائيل إستخدام صواريخ فتاح 1 الذي تقدر سرعته وفقاً للمعلومات ب 5 ماخ، وهو يصنف فرط صوتي من الجيل القديم، مع الإشارة إلى أن إيران تمتلك عدداً كبيراً من الصواريخ فرط صوتية من الجيل الحديث، ابرزها فتاح 2 وسرعته تصل إلى 15 ماخ وفقاً للتقارير الإيرنية، إضافةً إلى قدرات أخرى تهدد بها إيران ولا زالت غامضة.

في آخر التقارير المتعلقة بتوازن القدرات بين طرفي الحرب، يُعتقد أن إيران ما زال لديها بين 1500 إلى 2000 صاروخ قادر على ضرب الأراضي الإسرائيلية، من بينها عدد لا بأس به من الصواريخ فرط صوتية، إضافةً إلى عدد كبير جداً من المسيرات الإنتحارية، مقابل ذلك تسرب تقرير يقول أن لدى إسرائيل القدرة على الدفاع بواسطة منظومات الدفاع الجوي المتعددة الطبقات وفي ظروف كثافة تهديدات جوية، لمدة تقدَّر بحوالي إسبوعين فقط، وفي الحقيقة أنه لا يمكن إثبات ما إذا كان التقرير دقيقاً أم إنه صدر بهدف الخداع واستجلاب حلفاء للمشاركة في الدفاع الجوي عن الأراضي والمنشآت الإسرائيلية. وفي مسألة السيطرة على الأجواء الإيرانية، تدَّعي إسرائيل سيطرتها بشكلٍ كامل عليها، وهذه مسألة هامة جداً في الحملات العسكرية، وهي تؤمن حرية إستخدام الاجواء بشكلٍ مطلق، ومراقبة الأرض والتعامل مع أي خطر بري معادي، وتسمح أيضاً بدعم أي عمليات برية بشكلٍ حاسم. وفي هذا الإطار، وعلى الرغم من السيطرة الجوية لإسرائيل على الاجواء الإيرانية كما تدَّعي، إلا أن هناك صعوبة كبيرة في ضبط النشاطات العسكرية البرية بسبب إتساع رقعة العمليات التي تشمل كافة الاراضي الإيرانية الشاسعة، ولا تضمن في حال إكتشاف أي تهديد التدخل السريع وبالوقت المناسب لتحييده ووقف خطره، وبالتالي فإن هذه السيطرة لا تضمن وقف إطلاق الصواريخ التي تصيب العمق الإسرائيلي في تل ابيب وحيفا وغيرها من المناطق الهامة والحساسة.

على الرغم من كل ما حدث، تحاول إيران المحافظة على الحد الادنى من الظروف الميدانية والديبلوماسية التي تسمح بالعودة للتفاوض، فهي تعلم أن تواصل الحرب وتوسُّعها سيجلب لها الهزيمة العسكرية، مقابل ذلك هناك تصعيد إسرائيلي وغربي لافت ضد إيران، يظهر من تصريحات المسؤولين القريبين والبعيدين عن مسرح العمليات العسكرية، وهناك حديث جدي حول إمكانية إغتيال المرشد الأعلى وقلب النظام الإيراني، لذلك يُعتقد أن الأمور أصبحت في مكان لا يمكن منه العودة إلى الوراء، وأن التدخل الأميركي آتٍ لا محالة، وإن تدمير منشأة فوردو ستتم على الأرجح بواسطة ضربات متتالية على نفس النقطة من القاذفات الشبحية B-2، والتي ستستخدم القنابل الخارقة للتحصينات نوع GBU 57 B، ما يتسبب بإنهيارات داخلية تدمر هذه المنشأة وتطمرها بشكلٍ كامل.

أما ماذا بعد تدمير المنشآت النووية، فذلك لا يؤمن شروط وقف القتال وإنهاء الصراع، فما هو مطلوب لتأمين شروط وقف العمليات العسكرية هو سلسلة من العمليات الحاسمة، أبرزها القضاء على القيادة الدينية وتدمير مراكز القوة الإستراتيجية كافة، وبعدها تتم تهيئة الظروف للتحول والإنتقال للعملية السلمية بعد إعلان الإستسلام، أو بعد تمكين سلطة جديدة متعاونة بعد تغيير النظام، واللافت في الأمر في هذا الشأن، أن هناك معلومات تتحدث عن أن إيلون ماسك أعاد ربط إيران بالإنترنت عبر ستارلينك ردًا على انقطاع الإنترنت الشامل الذي فرضته القيادة الإيرانية أثناء الحرب، وربما يؤشر ذلك إلى القيام بعمليات معلومات تستهدف البيئة الداخلية في إيران، بما يتناسب مع الحملة.
في كلام أخير، يتطلب هذا النوع من الحملات الكبرى، وبالتحديد في مرحلة “السيطرة -Dominate” على مسرح العمليات، وجود قوات على الأرض (Boots on the ground) لتحقيق الأهداف العسكرية النهائية، وذلك كما حدث في العراق بعد مرحلة القصف الإستراتيجي، فهل ستتورط الولايات المتحدة أو إسرائيل في ذلك؟ وهل تضم مراحل الحملة خططاً لدخول قوات برية إلى إيران؟
The post الحملة الكبرى على إيران.. هل خدعت الولايات المتحدة المفاوض الإيراني؟ appeared first on Defense Arabia.