دفاع العرب Defense Arabia
خاص – دفاع العرب
تهيمن روسيا على المشهد العسكري العالمي بقوة صاروخية نارية غير مسبوقة، وفقاً لأحدث تقرير لمؤشر “غلوبال فاير بور” (Global Firepower) لعام 2025. وفيما تركّز القوى العظمى على تعزيز قدراتها الجوية والبحرية، تُثبت البيانات أن المدفعية الصاروخية – “سيدة ساحات القتال” التقليدية بعد ثورتها التكنولوجية – لا تزال حجر الزاوية في استراتيجيات الردع والهيمنة الإقليمية، وتتصدر روسيا هذا المجال بفارق كبير. تُؤكد سيطرتها على أضخم ترسانة صاروخية وأكثرها تنوعاً في العالم تحولاً استراتيجياً عميقاً، تعيد فيه الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة رسم موازين القوى وتضييق الفجوة مع التفوق الجوي الغربي التقليدي.
معايير القوة النارية المتطورة
تعتمد منهجية “غلوبال فاير بور” الشهيرة على تحليل شامل لأكثر من 60 عاملاً كمياً ونوعياً لتقييم القوة العسكرية للدول. يُعطي التصنيف وزناً كبيراً لـ:
- الكم: العدد الإجمالي لأنظمة إطلاق الصواريخ (MLRS) والمدفعية ذاتية الحركة والمدفعية المقطورة القادرة على إطلاق صواريخ.
- النطاق والدقة: قدرة الأنظمة على إصابة أهداف على مديات متوسطة وبعيدة بدقة عالية (صواريخ باليستية تكتيكية، صواريخ كروز، صواريخ موجهة).
- التنوع والحداثة: امتلاك طيف واسع من الأنظمة، من الصواريخ القصيرة المدى عالية الإيقاع إلى الصواريخ الباليستية الفرط صوتية، مع التركيز على الأنظمة الحديثة الميدانية.
- القدرة الصناعية واللوجستية: إمكانية إنتاج الذخيرة الصاروخية بكميات كبيرة والحفاظ على وتيرة عالية من العمليات.
هيمنة الجيش الروسي: ترسانة لا تضاهى
تظهر نتائج 2025 تفوقاً روسياً ساحقاً في هذا المجال:
- حجم ضخم: تمتلك روسيا آلاف المنصات، من أنظمة “جراد” و”أوراغان” و”سميرتش” السوفيتية المطورة، إلى الأنظمة الحديثة مثل “تورنيدو-جي” و”تورنيدو-إس” عالية الدقة والإيقاع.
- قوة تدميرية استثنائية: تتفرد روسيا بنشر صواريخ باليستية تكتيكية ميدانية بشكل مكثف، مثل نظام “إسكندر-إم” الشهير (مدى يصل إلى 500 كم)، القادر على حمل رؤوس تقليدية ونووية، والتفادي المتطور للدفاعات الجوية.
- ثورة فرط صوتية: تقود روسيا العالم في نشر الصواريخ الفرط صوتية المناورة مثل “كينجال” و”تسيركون” (رغم تركيز الأخير على البحرية، فهو يعكس القدرة التكنولوجية)، والتي تشكل تحدياً جوهرياً لأنظمة الدفاع الصاروخي الحالية.
- دروس ساحات القتال: استخدم الجيش الروسي مدفعيته الصاروخية بكثافة غير مسبوقة في أوكرانيا، مما وفر بيانات عملية ضخمة للتطوير التكتيكي وتحسين الفعالية (رغم الانتقادات حول الدقة في بعض الحالات والاستهلاك الهائل للذخائر). أنتجت هذه التجربة جيلاً جديداً من التكتيكات، مثل “نيران البارجة الأرضية”.
- قاعدة صناعية: تمتلك روسيا بنية تحتية صناعية مكرسة لإنتاج الذخائر الصاروخية بكميات هائلة، وهو عامل حاسم في حروب الاستنزاف.

الصين: القوة الصاعدة بثبات
تحتل الصين المركز الثاني بترسانة صاروخية سريعة النمو ومتطورة تكنولوجياً:
- استثمارات ضخمة: تضخ بكين استثمارات هائلة في البحث والتطوير، مع التركيز على الصواريخ الباليستية متوسطة المدى (مثل DF-16, DF-17 الفرط صوتي) وأنظمة MLRS بعيدة المدى (PHL-16 / PCH-191) التي تهدد القواعد وأساطيل الحلفاء في المحيط الهادئ.
- تركيز على المسرح الغربي المحيطي: تصمم الصين ترسانتها الصاروخية أساساً لردع التدخل الأمريكي في تايوان والبحار الإقليمية المتنازع عليها، مستهدفة حاملات الطائرات والمنشآت العسكرية البعيدة.
- تحدي الكم للجودة: بينما تمتلك أعداداً كبيرة، لا يزال نشر أحدث الأنظمة (مثل PCH-191) محدوداً نسبياً مقارنة بالأنظمة الأقدم. إلا أن وتيرة التحديث سريعة ومثيرة للإعجاب.
الولايات المتحدة: الجودة مقابل الكم
تأتي الولايات المتحدة في مركز متقدم، لكن بفلسفة مختلفة:
- تفوق جوي أولاً: تعتمد العقيدة الأمريكية التقليدية على التفوق الجوي الساحق لتوفير الدعم الناري. تمتلك الولايات المتحدة قدرات صاروخية متطورة (مثل HIMARS ذو الدقة المذهلة وصواريخ ATACMS)، لكن بأعداد أقل بكثير من روسيا.
- إعادة التوجيه: دفعت التهديدات الجديدة (الصين، روسيا) البنتاغون لتسريع برامج مثل تطوير صواريخ برية متوسطة المدى (المنتهية بمعاهدة INF سابقاً) وتعزيز مخزونات صواريخ HIMARS و ATACMS بشكل كبير، مع تطوير صواريخ أطول مدى (PrSM).
- التحدي اللوجستي: كشف النقاب عن محدودية القدرة الصناعية الأمريكية على إنتاج الذخائر الصاروخية بكميات هائلة في وقت قصير، وهو درس مستفاد من حرب أوكرانيا.

ما وراء الأرقام
قد يطرح البعض اعتراضات مهمة:
- “الكم ليس كل شيء، الدقة هي المهمة”: صحيح. أنظمة مثل HIMARS الأمريكية تتفوق في الدقة والتكلفة/الفعالية ضد أهداف محدودة. لكن حرب أوكرانيا أثبتت أن الحجم الهائل للقصف الصاروخي الروسي (حتى لو كان أقل دقة في بعض الأحيان) له تأثير تكتيكي وعملياتي هائل، يمكنه تدمير البنية التحتية وشل قدرة العدو على المناورة، وفرض تكاليف باهظة على دفاعاته.
- “الحروب غير المتماثلة تضعف فعاليتها”: قد تواجه المدفعية الصاروخية التقليدية تحديات في حروب العصابات حيث تختلط الأهداف مع المدنيين. لكن التطورات في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) واستخدام الطائرات المسيرة لتصحيح النيران تعزز فعاليتها حتى في هذه السيناريوهات. كما أن الصواريخ الدقيقة تسمح بضربات انتقائية.
- “التركيز على الصواريخ على حساب القوات الجوية؟”: لا تشير البيانات إلى استغناء أي من هذه القوى عن قواتها الجوية. بل تكمن الاستراتيجية في استخدام المدفعية الصاروخية لخلق “مناطق محظورة” (Anti-Access/Area Denial – A2/AD) تحمي القوات البرية وتعقد عمل الطيران المعادي، أو لتوجيه ضربات عميقة بتكلفة أقل ومخاطر أدنى على الطيارين مقارنة بالغارات الجوية.
إعادة تشكيل موازين القوى ونداء لليقظة
يكشف تصنيف “غلوبال فاير بور” 2025 للمدفعية الصاروخية عن حقائق استراتيجية بالغة الأهمية:
- عودة المدفعية بمظهر صاروخي: لم تنتهِ صلاحية المدفعية، بل تم تحويلها إلى سلاح استراتيجي بعيد المدى ودقيق.
- الهيمنة الروسية واقع ميداني: تمتلك روسيا ترسانة صاروخية برية هي الأكبر والأكثر تنوعاً وقدرة على إحداث الدمار على نطاق واسع، مدعومة بتجربة قتالية حديثة وقاعدة صناعية قوية. هذا التفوق الكمي والنوعي في هذا المجال هو ركن أساسي من أركان قوتها العسكرية وقدرتها على الردع.
- السباق يتسارع: تستثمر الصين بشراسة لتعزيز قدراتها، بينما تعيد الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو تقييم عقائدهم واستثماراتهم لسد الفجوة، خاصة في مجال الإنتاج الضخم والأنظمة بعيدة المدى.
- تأثير جيوسياسي عميق: يقلص انتشار الصواريخ الباليستية والفرط صوتية بعيدة المدى الميزة التقليدية للتفوق الجوي والقدرة على إسقاط المشاة من مسافات آمنة. يعيد هذا السلاح تعريف مفهوم “ساحة المعركة” ويفرض تحديات هائلة على أنظمة الدفاع.
The post عصر المدفعية الصاروخية: روسيا تتصدر المشهد العالمي في تصنيف “غلوبال فاير بور 2025” appeared first on Defense Arabia.