العودة إلى السيطرة الجوية.. إستراتيجية الولايات المتحدة المستحدثة

0

دفاع العرب Defense Arabia

العقيد الركن م. ظافر مراد

يؤمن الخبراء والقادة العسكريون ومن خلفهم السياسيون في الولايات المتحدة، أن التفوق الجوي يعتبر من أهم الإستراتيجيات التي اعتُمدت ونجحت في تحقيق الريادة والهيمنة العسكرية على كافة مسارح العمليات وفي معظم بقاع الأرض. لقد كان لافتاً تدخل القاذفات الأميركية الشبحية B-2 لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وبقذائف خاصة جداً نوع GBU -57 الخارقة لأشد التحصينات، حيث بدت المسألة وكأنها ليست فقط معضلة إسرائيلية تتعلق بكيفية تدمير منشأة فوردو، بل أيضاً معضلة عالمية وتحدٍ لأعظم الجيوش أمام منشآت هامة تقبع تحت الجبال بعشرات الأمتار، وجاء الحل على يد التكنولوجيا العسكرية الأميركية المتفوقة جواً، لتؤكد مرة أخرى أن هذا البلد يتفوق في سلاح الجو من حيث الكمية والنوعية والإبتكار.

لا شك أن سباق التسلح بين الدول العُظمى مستمر لحيازة افضل المنظومات العسكرية، وعلى وجه الخصوص المعدات القتالية البرية والجوية والبحرية، ويبدو لافتاً التفوق الروسي في مجال الصواريخ فرط صوتية والتي وصل بعضها إلى سرعة 27 ماخ، ولحاق الصين بها والتقدم الملحوظ في هذا النوع من الصواريخ التي يصعب إعتراضها، في المقابل، تبدو الولايات المتحدة الأميركية متأخرة كثيراً عن خصومها في تكنولوجيا الصواريخ فرط صوتية، ولا يعود ذلك إلى االنقص في العلوم والتكنولوجيا والقدرات المادية، بل السبب هو إختلاف إتجاهات التسلُّح وتطوير أنظمة الدفاع وفقاً لما يتناسب مع سياسة الولايات المتحدة الخارجية ومع إستراتيجيتها العسكرية، والتي تعتمد في الدرجة الأولى على التفوق بسلاح الجو، حيث تمتلك ما يفوق 13 ألف طائرة متعددة الأنواع والمهام، بينما تأتي روسيا خلفها بعدد 4300 تقريباٍ ثم الصين بعدد 3310. وتطور الولايات المتحدة بشكلٍ مستمر أُسطولها الجوي من حيث التكنولوجيا المتقدمة والقدرات الضاربة في الهجوم والدفاع، إضافةً إلى متطلبات المراقبة والتجسس والحرب الإلكترونية والسيبرانية.

إستخدمت الولايات المتحدة الأميركية إبانالحرب الباردة طائرة “Black Bird” أو “SR-71” ذات السرعة 3،2 ماخ، كطائرة تجسس متفوقة لمراقبة خصومها من الجو وجمع المعلومات الدقيقة عن كل ما يجري من نشاطات على الارض، دون أن يتم إكتشاف هذه الطائرة التي حلَّقت بسرعات كبيرة وعلى إرتفاعات شاهقة تصل إلى 24 كلم، ودخلت هذه الطائرة الخدمة عام 1966 بشكلٍ سري، وصُنع منها 32 طائرة تقاعدت آخرها عام 1989، وقامت “Lockheed`s Skunk Works” بتصنيعها في ذلك الوقت، ولم يتم الخوض في برامج مماثلة لها كون الإعتماد على الأقمار الإصطناعية كان خيار بديلاً ومناسباً بالنسبة للأميركيين.

في ظل التطورات الكبيرة في مجال إستخدام التكنولوجيا العسكرية والإبتكارات المذهلة في مجال الصواريخ فرط صوتية والمسيرات وإستخدمات الذكاء الإصطناعي العسكري وظهور منظومات عسكرية ذاتية التوجيه والقرار، أراد صنَّاع القرار في الولايات المتحدة التأكيد على التميُّز والتفوق في سلاح الجو، والذي يعتبرونه المؤثر الأول والأهم في السيطرة على مجريات الحروب والمعارك، فبعد القاذفة الشبحية B-2  والمقاتلتين متعددتي المهام F-22 وF-35، أظهرت الحروب والنزاعات الجيوسياسية في العالم حاجة الولايات المتحدة إلى طائرة تفوُّق إستثنائية لمعادلة التفوق الصاروخي الروسي والصيني، فانطلق برنامج الطائرة “Dark Star”  المشابهة في التصميم لطائرة “Black Bird”  ولكن مع ميزات خارقة وقدرات إستثنائية كطائرة تجسس وكقاذفة قنابل وصواريخ إستراتيجية.

 صممت طائرة “Dark Star” لتؤمن التكامل في المهام الإستراتيجية مع الإسطول الأميركي الجوي في تحقيق السيطرة الجوية وفي المراقبة وجمع المعلومات، إضافةً إلى تنفيذ مهام قصف جوي إستراتيجي بصواريخ تقليدية وفرط صوتية، وربما صواريخ تحمل شحنات نووية تكتية، وبمدى عملياتي يصل لمسافة 5 آلاف ميل، وتشكِّل هذه الطائرة أحدث مفهوم غربي في القدرات الجوية، والذي من خلاله يمكن التسلل في الأجواء المعادية دون أي أمكانية لإكتشافها أو إعتراضها من العدو، ومن هذه الأجواء وفوق الأهداف المحددة تُطلق حمولتها من القنابل والصواريخ ومن مسافات قريبة بحيث يصعب تفاديها أو التصدي  لها.

تكمن التحديات في صناعة هذه الطائرة أنها يجب أن تتميَّز بالسرعة الخارقة التي ستصل إلى 6 ماخ، بمحركات دفع من نوع “TBCC-Turbine Based Combined Cycle” أي محرك توربيني للسرعات المنخفضة ومحرك سكرامجيت “Scramjet” للسرعات العالية، وبهذه السرعة يصعب على الدفاعات الجوية إعتراضها، ويجب أن تجمع مع السرعة الخارقة الميزة الشبحية التي تتطلب مواد وطلاء محدد لصناعة الهيكل، وهذه المواد قد لا تتحمل درجة الحرارة العالية جداً والتي قد تفوق 2500 درجة فهرنهايت والناتجة عن إحتكاك الهيكل الخارجي بالهواء، كما أن قمرة القيادة للطيار يجب أن تكون شبيهة بقمرات المركبات الفضائية مع بذة خاصة تحفظ الضغط الطبيعي لجسم الطيار في ظروف إرتفاعات شاهقة وسرعات عالية، لذلك يتم الحديث حالياً عن إمكانية صناعة نموذجين، الأول مع قيادة بشرية والثاني مسيَّر دون قيادة بشرية. وقد تم تكليف شركة “Lockheed Martin” بصناعة هذا الإنجاز الذي يحتمل الكثير من التحديات والصعوبات، وعلى الأرجح أن جسم هذه الطائرة سيكون مصنوعاً في أجزائه من الياف الكربون والسيراميك ومزيج من بعض المعادن الخاصة التي تستعمل في صناعة الصواريخ فرط صوتية، وستجمع هذه الطائرة الخصائص الشبحية بدرجة تفوق ما لدى الطائرة B-2 ، وستحمل بالإضافة إلى أجهزة المراقبة والتجسس الأحدث والأكثر تطوراً في العالم، صواريخ متعددة الإستخدامات، وهنا تجدر الإشارة أن هذه الطائرة لا يمكن مرافقتها بمقاتلات كما هو الحال مع القاذفة الإستراتيجية B-2، بل ستكون وحيدة في الأجواء المعادية  بسبب عدم القدرة على مرافقتها من طائرات مقاتلة أخرى، وهي على الأرجح ستعمل ضمن مجموعة قتالية مؤلفة من زوج أو من ثلاث طائرات من نفس النوع لتأمين الحماية المتبادلة، ويبدو أن النماذج الإختبارية منها قد بدأت تطير بالفعل، أو هي قيد التحضير للتجارب في الجو خلال العام الحالي، وهناك معلومات غير مؤكدة أنه تم إستخدام النماذج التجريبية في اليمن وإيران، ويُعتقد أنها ستدخل الخدمة بنسختها النهائية في العام 2030، لتكون الرد الحاسم على التهديدات ولتضمن التفوق الجوي للولايات المتحدة لعقود طويلة.

The post العودة إلى السيطرة الجوية.. إستراتيجية الولايات المتحدة المستحدثة appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top