“ستينغر” أم “ستريلا”.. من انتصر في معركة السماء بين الشرق والغرب؟

دفاع العرب Defense Arabia

خاص – Defense Arabia

أشعلت الأسلحة المحمولة على الكتف سباقًا جديدًا في عالم الحروب الحديثة، حيث لم يعد التفوق الجوي ضمانة مطلقة للسيطرة الميدانية. منذ ظهور صاروخ “ستريلا” السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، ثم دخول نظيره الأميركي “ستينغر” إلى ساحة المعارك في الثمانينيات، تغيّرت قواعد اللعبة جذريًا.

هذه المنظومات، التي حملها أفراد مشاة بسطاء، أثبتت أن جنديًا واحدًا قادر على قلب موازين المعركة، كما حدث في أفغانستان.

إرث “ستريلا”: بداية الثورة

أطلق الاتحاد السوفيتي في عام 1968 صاروخ 9K32 ستريلا-2 ليكون أول سلاح مضاد للطائرات محمول على الكتف يدخل الخدمة على نطاق واسع. صُمم هذا الصاروخ لتأمين قوات المشاة من تهديد المروحيات والطائرات منخفضة التحليق.

• غيّر “ستريلا” طبيعة الدفاع الجوي عبر تمكين الجندي من استهداف الطائرات مباشرة من ساحة القتال.
• فرض معادلة جديدة على سلاح الجو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، عندما نجحت القوات المصرية والسورية في إسقاط عدة طائرات بفضل هذه الصواريخ.
• أثار موجة ذعر تكتيكي لدى الطيارين، حيث أجبرهم على التحليق على ارتفاعات أعلى أو تغيير أنماط هجومهم لتجنب التهديد.

ورغم أن الصاروخ عانى من محدودية دقته في مواجهة الأهداف عالية المناورة، إلا أنه مهّد الطريق لحقبة كاملة من منظومات الدفاع الجوي المحمولة (MANPADS).

“ستينغر”: السلاح الذي قلب المعركة

عندما زوّدت الولايات المتحدة الأفغان بصواريخ FIM-92 ستينغر عام 1986، بدا المشهد وكأنه نسخة مطوّرة من تجربة “ستريلا”. لكن الفارق أن “ستينغر” جاء بتكنولوجيا أكثر تطورًا:

• باحث حراري متطور مكّنه من تتبع حرارة محركات الطائرات بفعالية أكبر.
• نسبة إصابة مرتفعة مقارنةً بسابقه السوفيتي، وهو ما جعل الطيارين السوفييت في أفغانستان يشعرون بخطر حقيقي كلما أقلعوا بطائراتهم.
• تأثير نفسي واستراتيجي ضاعف من حجم الخسائر، حيث أجبِر السوفييت على تقليص عمليات الإسناد الجوي القريب، ما انعكس مباشرة على معنويات الجنود على الأرض.

يرى محللون أن إدخال “ستينغر” إلى أفغانستان لم يكن مجرد دعم تكتيكي، بل خطوة استراتيجية أسهمت في إنهاك القوة الجوية السوفيتية وسرّعت من انسحاب موسكو.

الغرب مقابل الشرق

يختصر “ستريلا” و”ستينغر” صراعًا أعمق بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

• مثّل “ستريلا” إرادة موسكو في تسليح حلفائها بأدوات رخيصة وفعّالة لإضعاف تفوق الغرب الجوي.
• جسّد “ستينغر” براعة التكنولوجيا الأميركية وقدرتها على تحويل مسار نزاع عالمي عبر أداة صغيرة الحجم، كبيرة التأثير.

هذه الرمزية تجاوزت مجرد استخدام عسكري، إذ أصبحت الصواريخ المحمولة على الكتف رمزًا لحقبة كاملة من الحروب غير المتكافئة.

تأثير طويل الأمد على الحروب الحديثة

لم تتوقف انعكاسات “ستريلا” و”ستينغر” عند حدود حروب السبعينيات والثمانينيات. بل شكّلا أساسًا لتطوير أجيال متعاقبة من منظومات الدفاع الجوي الفردي:

• انتشار عالمي: بيع هذه الصواريخ في الأسواق السوداء رفع من مخاوف وصولها إلى جماعات غير نظامية.
• تكيّف الطيران الحربي: اعتمدت القوات الجوية استراتيجيات جديدة، مثل أنظمة التشويش الحراري، والتكتيكات الجوية عالية الارتفاع لتقليل الخطر.
• تغيير طبيعة المعركة: أجبر وجود هذه الصواريخ القوى الكبرى على إعادة التفكير في جدوى التفوق الجوي إذا كان بالإمكان تحييده بسلاح محمول على الكتف.

دروس استراتيجية للمستقبل

تفرض تجربة “ستريلا” و”ستينغر” اليوم أسئلة مهمة:

• كيف ستواجه القوى الكبرى التهديد المتزايد لمنظومات MANPADS الأكثر تطورًا؟
• هل سيظل الطيران الحربي أداة حاسمة في ظل انتشار أسلحة رخيصة وقاتلة بيد جماعات صغيرة؟
• إلى أي مدى يمكن أن يشكّل انتشار هذه المنظومات تهديدًا للأمن المدني، خصوصًا مع الخطر الدائم على الطيران التجاري؟

قصة “ستريلا” و”ستينغر”

تكشف قصة “ستريلا” و”ستينغر” أن التكنولوجيا العسكرية ليست مجرد أدوات قتال، بل محرّكات لتغييرات استراتيجية هائلة. فقد علّمت هذه الصواريخ العالم أن القوة الجوية مهما بلغت من تطور ليست بمنأى عن التحدي.

واليوم، بينما تتطور تقنيات الدفاع والهجوم على حد سواء، يبقى السؤال: هل ستظل الصواريخ المحمولة على الكتف العامل الحاسم الذي يعيد تشكيل ميدان المعركة؟

The post “ستينغر” أم “ستريلا”.. من انتصر في معركة السماء بين الشرق والغرب؟ appeared first on Defense Arabia.