دور التكنولوجيا الإسرائيلية في هجوم الدوحة – الجزء الأول (الصواريخ البالستية)

0

دفاع العرب Defense Arabia

أ.د. غادة محمد عامر
خبير الذكاء الاصطناعي- مركز المعلومات واتخاذ القرار – رئاسة مجلس الوزراء
زميل ومحاضر – الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

لقد حير المحللون كيف تمكنت إسرائيل من تجاوز الدفاعات الجوية القطرية المتقدمة في الغارة التي شنت في عصر يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 على العاصمة القطرية الدوحة. لقد خرجت العديد من التقارير تؤكد استخدام إسرائيل تقنيات تكنولوجية متقدمة معززة بالذكاء الاصطناعي زادت بشكل كبير من قدرات العمليات العسكرية التي شنتها اسرائيل. حيث  تحسن هذه التقنيات من جمع المعلومات الاستخباراتية، ودقة الاستهداف، وكفاءة العمليات، مع الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، مما يعكس طبيعة الحرب الحديثة المتطورة. في هذا المقال ومجموعة المقالات التالية سوف نستعرض أهم التقنيات التي استخدمتها إسرائيل في الهجوم الغادر على قطر.

وفقًا لتقارير وكالة “أسوشيتد برس”، صُممت الضربة لتجاوز الدفاعات الجوية الإقليمية وتجنب دخول المجال الجوي لأي دولة في الشرق الأوسط، وهو إنجازٌ جعل المحللين العسكريين والحكومات الإقليمية على حدٍ سواء في حيرةٍ من أمرهم لفهم تداعياته. ما جعل هذه الضربة لافتةً للنظر، ومثيرةً للقلق للمخططين العسكريين، هو الأسلوب الذي اتبعته إسرائيل. فوفقًا لمسؤول دفاعي أمريكي تحدث لوكالة “أسوشيتد برس”، أطلقت مقاتلات إسرائيلية ما يقارب عشرة صواريخ باليستية من فوق البحر الأحمر، بمشاركة نحو عشر طائرات. وبالتالي هذا سمح بشن هجوم “بعيد” من خارج المجال الجوي لقطر، متجنبةً المجال الجوي لدول الخليج المجاورة، وخاصةً السعودية. لقد كانت البراعة التقنية للضربة مفاجئة للجميع. فالصواريخ الباليستية، كتلك التي ورد أنها استُخدمت في الهجوم، تحلق في الغلاف الجوي العلوي – أو حتى في الفضاء – قبل أن تهبط بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات. هذا النمط من الطيران يجعل اعتراضها بأنظمة الدفاع الجوي التقليدية أمرًا بالغ الصعوبة. تمتلك قطر والقاعدة الأمريكية فيها أنظمة دفاع جوي وأجهزة استشعار متطورة للغاية تُنذر مسبقًا بأي هجوم وشيك، في معظم الحالات. وبما أن إطلاق الذخائر البعيدة المدى هو الوسيلة الأكثر احتمالًا للهجوم، فليس من الواضح سبب عدم محاولة اعتراض هذه الأسلحة إذا كانت مجهولة المصدر. ذكر موقع “أكسيوس” أن الجيش الأميركي رصد طائرات إسرائيلية تحلق شرقا باتجاه الخليج العربي، لكن لم يكن لديه الوقت الكافي للرد. وذكرت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أمريكيين أن “الولايات المتحدة طلبت توضيحا، لكن بحلول الوقت الذي قدمته فيه إسرائيل، كانت الصواريخ قد كانت بالفعل في الجو”.  وكما صرّح “سيدهارث كوشال”، خبير الصواريخ في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، لوكالة “أسوشيتد برس”: “ربما نتحدث عن بضع دقائق من الإطلاق إلى الاصطدام، أي أنها ليست طويلة على الإطلاق. حتى لو التقطتها بطاريات “باتريوت”، لكان اعتراضها ضربًا من الجنون في تلك المرحلة”. وبحسب تقارير عديدة لقد شنت الغارة بعدة تقنيات متوازية منها الصواريخ البالستية، فقد أفاد تقرير نُشر يوم الجمعة التي تلت الغارة مباشرة في صحيفة “وول ستريت جورنال” أنه “أطلقت طائرات حربية إسرائيلية صواريخ باليستية إلى الفضاء فوق المملكة العربية السعودية قبل أن تصيب هدفها”. تعقيد الهجوم لفت انتباه العالم. وما زاد الأمر تعقيدا ما قاله رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن الطائرات الإسرائيلية لم ترصدها أجهزة الرادار. تكهن الخبراء بشأن النوع الدقيق للصواريخ المستخدمة في الضربة. اقترح “جيفري لويس” خبير الصواريخ في معهد “ميدلبري للدراسات الدولية”، لوكالة “أسوشيتد برس” أن الصواريخ يمكن أن تكون أنواعاً مختلفة من صواريخ “جولدن هورايزون” الإسرائيلية أو IS02 ROCKS الباليستية التي تُطلق جوًا. يبلغ مدى هذه الأسلحة ما يصل إلى 2000 كيلومتر، وهو مدى يقع ضمن المسافة من البحر الأحمر إلى الدوحة، والتي تبلغ حوالي 1700 كيلومتر. يتضمن صاروخ “سبارو”، وهو مرشح محتمل آخر، خيارًا لرأس حربي خامد، مما قد يفسر سبب عدم انفجار محطة وقود قريبة على الرغم من قوة الهجوم.

ورغم أنه معروف في الأوساط العسكرية أنه لا يمتلك سوى عدد قليل من الجيوش صواريخ باليستية تطلق من الجو؛ ولم تعترف إسرائيل قط بامتلاكها لها، لكن صحيفة “وول ستريت جورنال” أفادت بأن مثل هذه الأسلحة استُخدمت في الضربة على قادة حماس في الدوحة. لم تُقرّ إسرائيل علنًا قط بنشر مثل هذه الصواريخ، لكنّ منشوراتٍ دفاعيةً أفادت منذ فترةٍ طويلةٍ بامتلاكها نماذجَ متعددةً قادرةً على الإطلاق جوًا. من بينها صاروخ “أنكور”، الذي طوّرته شركة “رافائيل” في الأصل كهدفٍ تجريبيٍّ لنظام الدفاع الصاروخي “حيتس”؛ وصاروخ “رامبيج”، الذي تنتجه شركة “إلبيت سيستمز” و”صناعات الفضاء الإسرائيلية”. و”روكس”، وهو نظامٌ آخر من إنتاج “رافائيل”، يُقال إنه مُشتقٌّ من صاروخ “أنكور”. بخلاف صواريخ “الكروز”، الأبطأ لكنها أكثر مرونة في المناورة، تُطلق الصواريخ الباليستية عادةً في مسارات ثابتة، ويصعب على شبكات الدفاع الجوي اعتراضها. كذلك، تُقدم الصواريخ الباليستية المُطلقة جوًا مزايا إضافية: فهي تتجنب نقاط ضعف مواقع الإطلاق الأرضية المعروفة، ويمكنها أن تضرب بسرعة فائقة. كذلك أشارت تقارير سابقة إلى إمكانية إطلاق صاروخ “رامبيج” من طائرات مقاتلة على مسافات تصل إلى حوالي 150 كيلومترًا، مما يُعقّد عملية الكشف والاعتراض. إذا كانت الصواريخ في الغارة قد أُطلقت من أماكن بعيدة كالبحر الأحمر، كما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، فربما كانت تنتمي إلى عائلة “أنكور”  التي لم يُكشف عن مداها الكامل علنًا، ولكن تمت الإشارة إليها فيما يتعلق باختبارات نظام “آرو”.

ظهرت تلميحاتٌ حول اهتمام إسرائيل بهذا المجال عام ٢٠٢٤. فقد أشارت وثائق البنتاغون المسربة في ذلك العام إلى أن إسرائيل تعمل بنظامين: الأول يُسمى “الأفق الذهبي”، ولم يُذكر علنًا من قبل، والثاني “روكس”، وهو صاروخ من صنع شركة “رافائيل” يُعتقد أنه مشتق من طراز “أنكور” السابق. كشفت شركة رافائيل عن صاروخ “روكس” عام ٢٠١٩، واصفةً إياه بأنه سلاح جو-أرض يُطلق من نطاقات بعيدة عن تغطية الدفاعات الجوية للعدو، ويحلق في مسار أسرع من الصوت نحو الهدف. وتقول الشركة إن تصميمه يقلل من تعرض الطائرة المُطلقة لتهديدات العدو، ويعزز معدلات نجاح الضربات. وفقًا لشركة رافائيل، يُمكن لصواريخ “روكس” إصابة أهداف ثابتة أو متحركة عالية القيمة، حتى في البيئات شديدة التحصين التي تُستخدم فيها إجراءات مضادة إلكترونية. وتضيف الشركة أنها “مُجرّبة قتاليًا”، مما يُشير إلى أنها استُخدمت بالفعل في العمليات. ويُروّج للصاروخ على أنه قادر على تدمير الأهداف السطحية والجوفية. مع ذلك، يشير خبراء صناعة الدفاع إلى أن العديد من الدول التي تمتلك أسلحة متطورة دقيقة التوجيه يمكنها تكييف التقنيات الحالية لإنتاج مثل هذه الصواريخ. وأفاد تقرير لرويترز: “إنها طريقة ذكية للجمع بين التوجيه والرؤوس الحربية ومحركات الصواريخ لإنشاء سلاح جديد يوفر قدرات أكبر بكثير، وبتكلفة معقولة”.

The post دور التكنولوجيا الإسرائيلية في هجوم الدوحة – الجزء الأول (الصواريخ البالستية) appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top