دور التكنولوجيا الإسرائيلية في هجوم الدوحة – الجزء الثالث  (الذكاء الاصطناعي)

0

دفاع العرب Defense Arabia

أ.د. غادة محمد عامر
خبير الذكاء الاصطناعي- مركز المعلومات واتخاذ القرار – رئاسة مجلس الوزراء
زميل ومحاضر – الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

تناولت في الجزئين السابقين شرح لما ذكر في التقارير الدولية عن تقنيات مثل الصواريخ الذكية والمقاتلات المتقدمة التي استخدمتها إسرائيل في هجومها الغادر على الدوحة. في هذا الجزء (الثالث والأخير) سوف نستعرض كيفية استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، فقد أثارت الهجمات الإسرائيلية على الدوحة، الجدل حول دور الذكاء الاصطناعي في عملية الاستهداف، بداية من التخطيط والرصد والمتابعة، مرورا بتحديد الأهداف بدقة، وصولا إلى مرحلة التنفيذ. ويرى عدد من الخبراء اسرائيل تمكنت من تطوير بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالرصد الجغرافي -والتي جرى تصميمها بالأساس للاستعمال في المجالات السلمية- لخدمة أهدافه العسكرية المرتبطة بالاغتيالات. لقد تمكنت المقاتلات الإسرائيلية  من تحديد مكان الاجتماع مستغلةً تقنيات رصد جغرافية ذكية، بينما توجيه الضربات اعتمد على تقنيات أخرى . إن الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي الجغرافي (GeoAI) ، والذي يدخل في مختلف الصناعات والتطبيقات بهدف تحقيق خطوات استباقية في مجال الرصد والتحليل. فلدى اسرائيل وحدات تعمل على تطوير التقنيات الذكية، بالإضافة إلى أن برامج الذكاء الاصطناعي تأتي إلى إسرائيل جاهزة من أميركا، لتساعد في تشخيص الهدف بشكلٍ دقيق في البيئات القتالية. في المجالات السلمية، يمكن استعمال هذا النموذج لتطوير الأعمال ورصد بعض التأثيرات البيئية، وتستغله المؤسسات للتشغيل على نطاق واسع عبر توليد بيانات آلية، بهدف الوصول إلى أدوات وخوارزميات مكانية، واستخراج بيانات جغرافيا مكانية مع التعلم العميق. وفيما يتعلق بالاستعمالات في المجال العسكري، فقد أفادت عدة تقارير أن باحثين في الجيش الإسرائيلي تمكنوا من أتمتة آليات استخراج المعلومات الجغرافية من البيانات وتصنيفها، لتتضمن الصور ومقاطع الفيديو، بالإضافة إلى النصوص، بما يجعل التحديد للأهداف أكثر دقة. إن  نموذج الذكاء الاصطناعي الجغرافي يمكن مستخدمه من استعمال الصور الجوية لاستخراج صور للمباني من الداخل وكذلك الطرق في حالة وجود غطاء، سواء غطاء أخضر من الشجر أو صناعي، وفي هذه الحالة يمكنه دراسة كل البيانات بما في ذلك البنية الأساسية للمباني. هذا فيما يتعلق بتقنيات المراقبة وتحديد الأهداف، والتي تداخلت فيها أمور أخرى، من بينها مراقبة الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة والشرائح المختلفة، وكل ما يمكن أن يصل إليه الإنترنت، بالإضافة إلى المسوحات الحرارية للمباني، والتي يدخل فيها الذكاء الاصطناعي أيضا”. حيث تستعين  إسرائيل بهذه التقنيات، وتدربها على فهم مناطق عملياتها بشكل كاملة، والتعلم من الأخطاء السابقة، فالمؤكد أن النموذج الذي حدد موقع قيادات حماس يجري تدريبه الآن على الطريقة التي تمكنت بها هذه القيادات من الإفلات من عملية الرصد والاغتيال. إن هذه النماذج يمكن أن تكون عنصرًا مضادًا للهجمات الإلكترونية، ولحماية المعلومات السرية من الاختراق الأمني. بالإضافة إلى ذلك، لدى هذه البرمجيات الذكية قدرة على دراسة أنماط الهجمات الإلكترونية، وتشكيل استراتيجيات حماية مضادة، بجانب وضع سيناريوهات لتحسين الأمن في البيئات العسكرية، بعد تحليل كميات ضخمة من البيانات والتنبؤ بالهجمات المستقبلية. أما فيما يخص الهجمات محدودة المساحة وقوية التأثير، فحسب محللين أن التقنيات الذكية التي استعملها سلاح الجو الإسرائيلي في قطر، مكنت الطيارين من توجيه ضربات لبؤر صغيرة محددة، يكون تأثيرها كبيرًا، دون إحداث تدمير هائل بالمنطقة المستهدفة.

فيلعب الذكاء الاصطناعي الجغرافي (GeoAI) دورًا متعدد الأبعاد في الغارات، من خلال تحليل الصور الفضائية لرصد التحركات والتغيرات في البنية التحتية، ودمج بيانات من مصادر متعددة لتكوين رؤية شاملة. كما يتيح تقييم المخاطر والتنبؤ بالهجمات، ويساعد في التخطيط العملياتي وتحديد الأهداف بدقة عبر تحليل البيانات الجغرافية والديموغرافية. ويُستخدم أيضًا لرصد المشاعر العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفهم انتشار المعلومات المضللة وإدارة السرد الإعلامي.

لقد وقعت الضربة على بُعد 30 كيلومترًا تقريبًا من قاعدة “العديد” الجوية، المقرّ المتقدم للقيادة المركزية الأمريكية وأكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. والتي تحميها بطاريات صواريخ باتريوت أمريكية الصنع. لكن ما سبب عدم إطلاق الولايات المتحدة رصاصة واحدة للدفاع عن قطر ضد الهجوم الإسرائيلي  مع وجود العديد من أنظمة الدفاع الجوي؟ رغم إنها أطلقت أكبر دفعة من صواريخ الباتريوت الاعتراضية من قاعدة العديد في يونيو الماضي، دفاعًا عن قطر من وابل من الصواريخ الإيرانية.

لقد جمعت الغارة الإسرائيلية على قطر بين التكنولوجيا المتقدمة والتكتيكات العسكرية الفعالة، مما أسهم في اختفاء المقاتلات الإسرائيلية عن الرادارات القطرية. هذه الاستراتيجيات تمثل جزءًا من التطور المستمر في مجالات الطيران العسكري والحرب الإلكترونية.  

لقد كانت تبعات الضربة مضطربة. ففي قطر، أثار الحادث موجة من القلق بشأن فعالية دفاعاتها الأمريكية الصنع. فكما ذكرت صحيفة هآرتس، “تركت الضربة الإسرائيلية قطر تواجه سؤالاً حول سبب دفعها مبالغ طائلة للدفاع الجوي الأمريكي، الذي يكلف مليارات الدولارات ويفشل في إنجاز مهمته في اللحظة الحاسمة”. ومن المرجح أن يتردد صدى هذا الشعور في عواصم خليجية أخرى أيضًا، مما قد يُعقّد علاقات الدفاع الأمريكية المربحة في المنطقة. إن انتهاك حليف أمريكي وثيق للأنظمة التي زودتها الولايات المتحدة لدولة ما هو، كما وصفه أحد المحللين، “جرس إنذار لكل من مشتري وبائعي التكنولوجيا العسكرية المتقدمة”. لقد أصبح هناك أمر واحد واضح، هو إن الضربة الصاروخية في البحر الأحمر أعادت رسم حدود ما هو ممكن في الحرب الحديثة، وتركت الأصدقاء والأعداء على حد سواء يعيدون تقييم افتراضاتهم حول الأمن والدبلوماسية والتكلفة الحقيقية للتفوق التكنولوجي.

The post دور التكنولوجيا الإسرائيلية في هجوم الدوحة – الجزء الثالث  (الذكاء الاصطناعي) appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top