لماذا يمثل صاروخ توماهوك “رسالة الألف ميل” التي تحتاجها أوكرانيا بشدة؟

0

دفاع العرب Defense Arabia

خاص – Defense Arabia

تُجدّد كل زيارة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن الجدل حول مستوى الدعم العسكري الذي تحتاجه كييف ونوعيته. ففي كل مرة، يطالب القادة الأوكرانيون علنًا بتزويدهم بأسلحة أمريكية بعيدة المدى، رافضين الاكتفاء بالحلول ذات المدى المتوسط. ويتركّز مطلبهم هذه المرة على صواريخ كروز “توماهوك” (Tomahawk)، المصنّفة ضمن فئة الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، والتي تتميز بقدرتها على التحليق دون سرعة الصوت وفي مختلف الظروف الجوية، وفقًا لبيانات البحرية الأمريكية.

يدرك زيلينسكي أن الحصول على هذا السلاح لا يعني مجرد تعزيز القدرات القتالية، بل يمثل “رسالة الألف ميل” التي تؤكد أن الولايات المتحدة ما تزال “ترسانة الديمقراطية”. فهذه الصواريخ، القادرة على الطيران لمسافة تصل إلى 2000 كيلومتر، تمثل التحول الذي تتطلع إليه أوكرانيا لتحقيق التفوق العملياتي وإيصال الحرب إلى عمق الأراضي الروسية. ومن وجهة نظر كييف، لا يمكن حسم الصراع إلا بقدرة هجومية تمتد إلى المنشآت الحيوية داخل روسيا، رغم مخاطر التصعيد.

إن تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” ليس مجرد مساعدة عسكرية إضافية، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا يهدف إلى فرض كلفة باهظة على موسكو، من خلال تهديد مراكز قيادتها وقواعدها الصناعية، رغم التحذيرات الروسية من “التصعيد غير المقبول”.

1. الضرورة الاستراتيجية: كسر حاجز المدى والردع

تشير التقديرات الأوكرانية إلى أن الأسلحة الغربية الحالية، ذات المدى الذي لا يتجاوز 300 كلم، لم تعد كافية لتغيير ميزان القوى. تسعى كييف لاستهداف قواعد استراتيجية روسية خلف خطوط المواجهة، مثل قاعدة “إنجلز” الجوية ومصانع إنتاج الطائرات المسيّرة.

هنا يظهر “توماهوك” كخيار مثالي ، ومنذ أول استخدام له في عملية “عاصفة الصحراء” عام 1991، أثبت الصاروخ دقته العالية (خطأ دائري لا يتجاوز 10 أمتار)، وفاعليته في ضرب مراكز القيادة ومستودعات الذخيرة والبنية التحتية العسكرية الحساسة.

يتميّز “توماهوك” بقدرته على التحليق بسرعة 500 ميل في الساعة وعلى ارتفاع منخفض لا يتجاوز 15 مترًا، ما يُمكّنه من التخفّي عن الرادارات، بفضل تضاريس الأرض والعوائق الطبيعية، ليصبح عمليًا هدفًا شبه مستحيل الرصد.

2. الثورة العملياتية: الإطلاق من أي مكان والتخفي

يتفوق “توماهوك” على معظم الصواريخ المشابهة بفضل منظومة توجيه معقدة تشمل نظام الملاحة بالقصور الذاتي، وGPS، وخرائط مطابقة التضاريس (TERCOM)، ونظام المطابقة البصرية للمشاهد الأرضية (DSMAC)، ما يضمن دقة إصابة عالية حتى في البيئات المعقدة.

إحدى أهم ميزات هذا الصاروخ هي قدرته على تعديل مساره أثناء الطيران عبر وصلة بيانات ثنائية الاتجاه، بل يمكنه التحليق في وضع الانتظار فوق الهدف حتى اللحظة المثلى للضربة.


الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة طوّرت مؤخرًا نظام إطلاق أرضي متنقل يُمكّن من وضع أربعة صواريخ داخل حاوية شحن قياسية بطول 40 قدمًا، ما يجعل الصاروخ قابلًا للنقل والإطلاق من أي مكان تقريبًا.
بهذه الطريقة، يتحوّل “توماهوك” من سلاح بحري تقليدي إلى منصة برية متنقلة، تمكّن أوكرانيا من تنفيذ هجمات مفاجئة وعميقة داخل الأراضي الروسية.

هذا التطور يُغيّر قواعد اللعبة مقارنة بصواريخ “ستورم شادو” البريطانية، التي تعتمد على طائرات Su-24 القديمة. فبينما يمكن لروسيا تتبع قواعد الإطلاق الجوية، فإن “توماهوك” يفتح الباب أمام ما يمكن تسميته بـ”شاحنات الموت”، وهي منصات متنقلة يصعب كشفها أو تدميرها، تشكّل تهديدًا دائمًا وغير متوقع.

يُؤكد الأستاذ علي الهاشم، الباحث والمختص الكويتي المعروف في مجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية، أن قيمة أي نظام تسليحي حديث تكمن في قدرته على تغيير “ديناميكيات الاشتباك”.

يُشدد الهاشم على أن توماهوك يوفر لكييف القدرة على تجنب القيود المفروضة على أنظمة الإطلاق الجوي، ويمهّد الطريق لحرب عميقة غير تقليدية، تتطلب دقة وتخفياً لا يمكن توفيرهما بالأسلحة التقليدية.

3. موازنة معادلة التصعيد: البعد السياسي

يدرك الغرب أن تزويد أوكرانيا بـ”توماهوك” يحمل مخاطر سياسية هائلة، إذ سيُعتبر بمثابة كسر نهائي للخطوط الحمراء بين واشنطن وموسكو. وقد حذر بوتين مسبقًا من أن أي تزويد بأسلحة كهذه سيُعد “تصعيدًا غير مقبول”.

ورغم أن عدد الصواريخ المحتمل لن يكون كافيًا لتغيير المعادلة الميدانية بشكل فوري، إلا أن الرسالة السياسية الكامنة في “المدى” هي ما يُقلق الكرملين فعلًا. فـ”بوتين لا يخشى الكلمات، بل يخشى المدى”، كما يقول بعض المحللين.
إتاحة القدرة لكييف على ضرب عمق الأراضي الروسية ستُجبر موسكو على إعادة توزيع قواتها وتغيير استراتيجيتها الدفاعية، مما يجعل “توماهوك” أداة ضغط استراتيجية بامتياز.

وفي هذا السياق، يوضح الهاشم أن “تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك سيكون بمثابة تغيير جذري في قواعد الاشتباك، إذ يمنحها القدرة على الردع عبر التهديد بالوصول إلى الأهداف الاستراتيجية الروسية في العمق، وليس فقط على خط الجبهة. غير أن هذه الخطوة، إن تمت، ستضع واشنطن أمام مسؤولية مباشرة عن أي ضربة تنفذها كييف، ما يجعلها شريكًا فعليًا في التصعيد وليس مجرد داعم”.
ويضيف الهاشم أن “الولايات المتحدة ستواجه معضلة صعبة: كيف تمنح أوكرانيا أداة ردع فعالة دون أن تتحول هي نفسها إلى طرف في الحرب؟”.

الخاتمة: إعادة تعريف الخطوط الحمراء

الجدل الدائر حول صواريخ “توماهوك” يجسّد لحظة مفصلية في الدعم الغربي لأوكرانيا. فبينما تسعى كييف إلى الحفاظ على زخمها العسكري وسط فتور الاهتمام الدولي، تجد واشنطن نفسها أمام اختبار لإرادتها السياسية.
القرار بمنح أوكرانيا هذه القدرة الهجومية لا يقتصر على الجانب العسكري؛ إنه اختبار لمفهوم “الردع الاستراتيجي” الغربي ذاته.
ويبقى السؤال الأهم: هل يتجرأ الغرب على إطلاق العنان لصاروخ يمكن أن يضع العمق الروسي الصناعي تحت التهديد؟
ذلك سيكون الامتحان الحقيقي لمدى صلابة “ترسانة الديمقراطية” في مواجهة إرادة موسكو.

The post لماذا يمثل صاروخ توماهوك “رسالة الألف ميل” التي تحتاجها أوكرانيا بشدة؟ appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top