دفاع العرب Defense Arabia
خاص – Defense Arabia
يشهد العالم اليوم سباقًا محمومًا نحو تطوير مقاتلات الجيل السادس، حيث لم تعد المنافسة تقتصر على السرعة أو القدرة على التخفي، بل أصبحت معركة من يمتلك “المنظومة المتكاملة” القادرة على ربط الطائرات المأهولة بالمسيّرات وأنظمة الاستشعار والذكاء الاصطناعي في شبكة قتالية واحدة.
تُظهر تقارير حديثة، أن برامج الجيل السادس في كل من الولايات المتحدة والصين وأوروبا تمثل سباقًا هندسيًا واستراتيجيًا يعيد رسم موازين القوة الجوية حتى منتصف القرن.

أولاً: الولايات المتحدة تتقدم بالبرنامج الأكثر طموحًا – NGAD
تقود الولايات المتحدة السباق عبر برنامج التفوق الجوي للجيل القادم (NGAD) الذي تمضي به القوات الجوية بسرعة قياسية.
تُبرز المصادر أن البرنامج تجاوز مرحلة الدراسات الأولية إلى مرحلة التطوير الهندسي الكامل ويهدف NGAD إلى إنشاء منظومة “مجموعة أنظمة” تضم مقاتلات مأهولة ترافقها أسراب من طائرات مسيّرة ذكية، تعمل بتكامل عبر الذكاء الاصطناعي.

تُقدّر تكلفة كل طائرة بما يتجاوز 300 مليون دولار، لكن الدعم المستقر من الكونغرس يؤكد التزام واشنطن بالاحتفاظ بتفوقها الجوي حتى منتصف القرن.
يُتوقّع أن تدخل أولى الوحدات الخدمة التشغيلية في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي، لتكون الولايات المتحدة أول من يحقق قفزة الجيل السادس فعليًا.
ثانيًا: الصين تقترب بخطوات ثابتة – برنامج J-36 الغامض
تتحرك الصين بسرعة مذهلة في برنامجها السري J-36 الذي وصفته التقارير الغربية بـ”الغامض والخطر في آن واحد”.
تشير صور الأقمار الصناعية ومقاطع الاختبار المسرّبة إلى أن النماذج الأولية بدأت تحلق فعليًا بين عامي 2024 و2025، وهو مؤشر متقدم مقارنة بالبرامج الأوروبية.
يهدف هذا البرنامج إلى بناء مقاتلة تتمتع بتقنيات التخفي الكاملة، وبقدرة عالية على الاندماج مع الدرونات المسلحة عبر شبكة قيادة وتحكم مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ويُرجّح محللون أن تدخل الخدمة التشغيلية في مطلع العقد الثالث من القرن، لتضع الصين نفسها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
هذا التطور يثير قلق واشنطن، خصوصًا في ظل تكامل البرنامج مع الطائرات بدون طيار الهجومية مثل Loyal Wingman وDark Sword.
ثالثًا: التحالفات الغربية بين الطموح والبيروقراطية
1. برنامج GCAP (المملكة المتحدة، إيطاليا، اليابان)
تُظهر بريطانيا، عبر شراكتها مع إيطاليا واليابان، قدرة نادرة على توحيد الجهود الصناعية والعسكرية في إطار البرنامج العالمي للطائرات القتالية (GCAP).
يستهدف البرنامج إنتاج مقاتلة من الجيل السادس بحلول عام 2035، مع تركيز واضح على الذكاء الاصطناعي التعاوني، وتقنيات التخفي المتقدمة، وأنظمة القيادة الشبكية.
تتميز مقاتلة GCAP عن المشاريع الأخرى بوضوح أهدافها وجدول زمني واقعي، إضافة إلى توزيع الأعباء الصناعية بذكاء بين الدول الثلاث، مما يمنحه استقرارًا تمويليًا يفتقر إليه المشروع الأوروبي المنافس.
2. برنامج FCAS (فرنسا، ألمانيا، إسبانيا)
على النقيض، يعاني برنامج القتال الجوي المستقبلي FCAS من تأخر مزمن.
رغم كونه مشروعًا طموحًا، إلا أن الخلافات السياسية والصناعية بين باريس وبرلين ومدريد جعلت الجدول الزمني يمتد إلى عام 2040.
تكشف تقارير دفاعية أوروبية أن تنسيق المتطلبات بين الدول الثلاث بات العقبة الكبرى، ما يجعل FCAS مشروعًا بعيد المدى أكثر منه منافسًا قريبًا للـ NGAD أو GCAP.
ورغم ذلك، يبقى البرنامج ذا أهمية استراتيجية لأوروبا التي تسعى لاستقلال دفاعي بعيد عن المظلة الأمريكية.
رابعًا: مشاريع أمريكية وروسية على الهامش
1. F/A-XX – الرؤية البحرية الأمريكية
تواصل البحرية الأمريكية تطوير مشروعها الخاص F/A-XX الذي يُفترض أن يحل مكان مقاتلات F/A-18 Super Hornet.
إلا أن البرنامج ما يزال في مرحلة تحديد المتطلبات الفنية، مع تركيز على التوافق مع حاملات الطائرات والتصميم القابل للطي.
تقديرات البنتاغون تشير إلى دخول الخدمة بعد منتصف العقد الثالث من القرن، مما يجعله متأخرًا عن NGAD بسنوات.
2. MiG-41 – الطموح الروسي في مواجهة الواقع
أما روسيا، فتواجه تحديات قاسية في تنفيذ مشروعها المعلن MiG-41 الذي تصفه موسكو بأنه “مقاتلة فضائية” قادرة على التحليق بسرعات تتجاوز ماخ 4.

لكن الواقع الاقتصادي والسياسي يضع المشروع في خانة “الخيال الهندسي”.
تؤكد العقوبات الغربية ونقص التمويل أن المشروع لا يزال بعيدًا عن التنفيذ الفعلي، مما يجعل موسكو خارج دائرة المنافسة الجادة في المستقبل القريب.
خامسًا: المقاتلة القادمة ليست طائرة… بل منظومة حرب متكاملة
يؤكد الخبراء أن التحول الحقيقي في الجيل السادس لا يكمن في الشكل أو السرعة، بل في الدمج الشبكي والذكاء الاصطناعي.
المقاتلة القادمة ستكون عقلًا طائرًا، يربط بين المقاتلات المأهولة والمسيّرات الهجومية، وأنظمة الإنذار المبكر والحرب الإلكترونية، عبر سحابة بيانات قتالية مشتركة.
يُعد هذا المفهوم المعروف باسم System of Systems جوهر الثورة القتالية المقبلة، حيث يتحول الطيار من “مقاتل منفرد” إلى “قائد شبكة ذكية”.
سباق المستقبل لا يُقاس بالسرعة
لم يعد السباق نحو الجيل السادس مجرد تنافس في الأداء الجوي، بل في القدرة على التنفيذ الواقعي.
تتفوّق الولايات المتحدة بفضل التمويل المستقر والقدرات الصناعية الهائلة، بينما تُظهر الصين طموحًا لا يمكن تجاهله، وقد تكون المفاجأة الكبرى إن تمكنت من تحويل النماذج إلى إنتاج فعلي واسع.
أما أوروبا، فتواجه امتحانًا عسيرًا في إدارة التعاون دون أن يتحول إلى عبء بيروقراطي.
في النهاية، من يملك القدرة على تحويل الفكرة إلى واقع قبل عام 2035، سيملك السماء لعقود قادمة.
ويُطرح سؤال المستقبل: هل سيكون التفوق الجوي حكراً على القوى التقليدية، أم أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تعريف مفهوم “القوة الجوية” بالكامل؟
The post السباق العالمي نحو مقاتلات الجيل السادس: صراع الهيمنة في سماء المستقبل appeared first on Defense Arabia.