صواريخ توماهوك: هل ينهار الردع النووي بقرار واشنطن تسليم صواريخ كروز بعيدة المدى لكييف؟

0

دفاع العرب Defense Arabia

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن تزويد أوكرانيا المحتمل بصواريخ توماهوك الأمريكية بعيدة المدى سيمثل “مرحلة جديدة من التصعيد” بين الطرفين. أقرّ بوتين بأن تزويد كييف بصواريخ كروز الأمريكية “القوية” يُشكّل تهديدًا لروسيا، لكنه أصرّ على أنها لن تُغير الوضع في ساحة المعركة، في محاولة للتقليل من التأثير الاستراتيجي للصواريخ بينما يُعلي في الوقت نفسه من مستوى التحذير السياسي.

أضاف الرئيس الروسي في تصريح واضح ومقتضب: “استخدام صواريخ توماهوك دون مشاركة مباشرة من العسكريين الأمريكيين أمر مستحيل. سيمثّل هذا مرحلة جديدة كليًا ونوعيًا من التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة”.

يضع هذا التصريح واشنطن أمام حائط سدّ، إذ يُربط أي تسليم للصواريخ، التي قد تصل لمدى يتراوح بين 1250 إلى 2500 كيلومتر وفقًا لإصداراتها، بانخراط أمريكي غير مباشر ومباشر، مما يرفع من سقف المخاطر لدرجة لم يبلغها الصراع منذ بدايته.

توماهوك: مواصفات صاروخية.. وإرث نووي

يعدّ (بي جي إم-109 توماهوك) (Tomahawk Missile) صاروخ كروز أمريكي بعيد المدى، يُطلق من سفن وغواصات البحرية الأمريكية، مُوفّرًا قدرة توجيه ضربات عميقة بعيدة المدى. يستطيع هذا الصاروخ حمل حمولات تقليدية، ولكنه في الأساس، ومنذ بدايته، اقتُرن بقدرته على حمل رؤوس نووية، رغم أن القرارات السياسية قلّصت دوره النووي تدريجيًا. بدأ إنتاج الصاروخ في عام 1983 وتطويره في عام 2016.

تتسم المواصفات التقنية لصاروخ توماهوك بالمرونة والقوة التدميرية. يُطلق الصاروخ دون سرعة الصوت ويبلغ طوله 6.25 متر مع معزز القطر و5.55 متر بدونه، بقطر يبلغ 0.52 متر ووزن إطلاق يصل إلى 1315 كجم (بدون معزز). يستخدم الصاروخ رأساً حربياً يزن 454 كجم، وهو عبارة عن ذخائر فرعية أحادية شديدة الانفجار، تُدفع بمحرك توربيني مروحي.

تاريخ التطور والإصدارات القاتلة

مرّت صواريخ توماهوك بسلسلة من التطورات التي عززت من قدراتها القتالية وقوتها التدميرية، حيث أنتجت أمريكا أنواعًا مختلفة. تضمنت الإصدارات المبكرة توماهوك الهجومي الأرضي النووي (TLAM-N) وصواريخ توماهوك المضادة للسفن (TLAM-A و TLAM-N).

جاءت إصدارات البلوك 2 (Block II) و 3 (Block III) و 4 (Block IV) لـ تُوسّع من قدرات الصاروخ:

  • البلوك 2 (TLAM-C و TLAM-D): صُمّم TLAM-C لمهاجمة الأهداف المُحصّنة، بينما خُصّص TLAM-D لمهاجمة الأهداف “الضعيفة” مثل القوات وتجمعات الطائرات.
  • البلوك 3 (Block III): شملت تحديثات إلكترونية جديدة سمحت بمهام الهجوم المنسقة.
  • البلوك 4 (Block IV): وهو أحدث إصدار، يُمكن الصاروخ من الطيران لعدة ساعات، مُزوّدًا بوصلة بيانات ثنائية الاتجاه لتمكين تلقي معلومات مهمة حول تصحيحات المسار.

طلبت البحرية الأمريكية 434 مليون دولار في عام 2016 لبدء تعديل 245 صاروخًا من طراز TLAM-E لمهام مضادة للسفن، مما يُعزز من قدرة الصاروخ على ضرب سفن العدو على مدى يصل إلى 1000 ميل بحري خلال العقد المقبل.

تحليل التداعيات الاستراتيجية: إعادة تعريف «الردع»

تُركز المعضلة الاستراتيجية على قدرة توماهوك على الوصول إلى عمق الأراضي الروسية، وخصوصًا موسكو، مما يُقوّض مفهوم العمق الاستراتيجي الذي تعتمد عليه روسيا في عقيدتها الدفاعية. تتجسد المخاطر في النقاط التالية:

  1. الازدواجية النووية (Dual-Capability): بالرغم من أن الصواريخ التي قد تُسلم ستكون مُجهزة برؤوس تقليدية، إلا أن كون الصاروخ نفسه قادرًا على حمل رؤوس نووية يُصعّب على روسيا تحديد طبيعة الهجوم خلال الاشتباك. يخلق هذا الغموض مجالًا كبيرًا لـ سوء التقدير (Miscalculation) في ذروة الأزمة، مما قد يدفع روسيا إلى افتراض الأسوأ واتخاذ رد فعل نووي وقائي.
  2. رفع سقف التدخل: يُشير تصريح بوتين بوضوح إلى أن استخدام هذه الصواريخ يستوجب “مشاركة مباشرة” من العسكريين الأمريكيين، حتى لو كانت تقنية ولوجستية. تُترجم هذه المشاركة في نظر موسكو إلى تدخل فعلي من حلف الناتو، مما يُبرر لروسيا توسيع نطاق الرد ليشمل أهدافًا خارج أوكرانيا أو استهداف مواقع انطلاق الصواريخ (السفن أو الغواصات) في البحر الأسود أو مناطق أخرى، مما يُهدّد بتحول الصراع من إقليمي إلى دولي.
  3. تآكل الثقة الدولية: يُمثل تسليم أسلحة هجومية بعيدة المدى إلى طرف في صراع مع قوة نووية كبرى سابقة لم تحدث منذ عقود. يُزعزع هذا الإجراء أسس جميع اتفاقيات الحد من التسلح التي سعت لضبط نشر الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، مُطلِقًا سباق تسلح جديد يعتمد على قدرات الضربات العميقة والردع غير المحدد.

استنتاج: على حافة الهاوية

يُشير الجدل الدائر حول صواريخ توماهوك إلى أن العالم يقف على مفترق طرق خطير. تُدرك الولايات المتحدة المخاطر، لكنها في الوقت نفسه تسعى لتمكين أوكرانيا من ضرب البنية التحتية العسكرية الروسية خلف خطوط المواجهة، مما يُرهق آلة الحرب الروسية. في المقابل، تُقدّر روسيا أن هذا الإجراء يُشكل تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي ويتطلب ردًا استراتيجيًا غير تقليدي.

يُظهر التصعيد الحالي مدى هشاشة مفهوم الردع في عالم متعدد الأقطاب. يتعيّن على صانعي القرار في واشنطن وموسكو إدراك أن الخط الفاصل بين الردع والتصعيد النووي أصبح ضبابيًا للغاية. تتطلب المرحلة المقبلة حكمة استثنائية ومحاولة أخيرة لإيجاد قنوات اتصال سرية وفعالة لتجنب أي سوء تقدير قد يُلقي بالعالم في أزمة يصعب الخروج منها.

هل ستتمكن الدبلوماسية الخلفية من احتواء «مرحلة التصعيد الجديدة» التي لوّح بها الكرملين، أم أن الرغبة في قلب موازين الحرب ستنتصر على منطق الحذر الاستراتيجي؟

The post صواريخ توماهوك: هل ينهار الردع النووي بقرار واشنطن تسليم صواريخ كروز بعيدة المدى لكييف؟ appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top