صاروخ Burevestnik وإستراتيجية بوتين في الردع النووي الحديث

0

دفاع العرب Defense Arabia

العقيد الركن م. ظافر مراد

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نجاح الإختبارات النهائية لسلاح روسي لا مثيل له في العالم، وهو صاروخ كروز محركه يعمل بالطاقة النووية ومداه غير محدود، يستطيع التحليق بشكلٍ مستمر لعدة ايام، معتبراً إياه جزءًا من ترسانة إستراتيجية جديدة، تعطي روسيا قدرات تقليدية ونووية تجعل منها لاعباً دولياً لا يمكن تجاوزه أو تهديد مصالحه.

يعرف الصاروخ الروسي الجديد عند الغرب بإسم ” SSC-X-9 Skyfall” ، يُعتبر هذا الصاروخ تحدِّياً لحدود التكنولوجيا، وخرقاً لحدود المخاطر المقبولة في استخدام أسلحة إستراتيجية، ولا تكمن الخطورة في الرأس النووي الذي يمكن تزويده به، بل أيضاً في الوقود النووي الذي يجعل منه وفقاً لتوصيف الغرب، تشيرنوبيل طائر، لا سيما بسبب طيرانه المنخفض على إرتفاع بين 50 و100 متر في معظم رحلته، أما قبل وصوله إلى الهدف ودخوله في المرحلة النهائية فقد يطير على إرتفاع ادنى من 10 أمتار.

تؤكِّد التقارير الغربية نجاح التجارب التي أُجريت على هذا الصاروخ، إضافة إلى ميزات محركه الذي يعمل بالوقود النووي (Nuclear-Thermal/jet concept)، والذي يمنحه مدة طيران تصل إلى ايام عديدة يستطيع فيها عبور كل القارات والمحيطات، أما بالنسبة للسرعة، فكونه صاروخ كروز جوال يطير على إرتفاعات منخفضة تتطلب مناورات حادة بسبب التضاريس، لا يمكن أن يكون فرط صوتي، وبالتالي فهو بالتأكيد دون سرعة 5 ماخ في أسرع مراحله، أما المغزى الأساسي من فكرة الطيران اللامحدود في هذا الصاروخ، فليس الوصول إلى أهداف بعيدة جداً في عمق الدول الغربية كما يسود الإعتقاد، بل تحقيق قدرات إستراتيجية نوعية لها علاقة بالمناورات وديناميكية الإستهداف، وهنا نستطيع الحديث عن نقطتين أساسيتين تغيِّران القواعد في التعامل مع هذا النوع من التهديدات، وتمثلان المفهوم الروسي الجديد في صواريخها الإستراتيجية.

النقطة الأولى تتمثَّل بتوسيع زاوية الخطر المرتقب المحيطة بالهدف، فيصبح الإقتراب من الهدف المطلوب تدميره ممكناً من كافة الإتجاهات، فإطلاق هذا الصاروخ نحو اي هدف لا يقيده بالمسافة الاقصر، بل قد يدفعه عبر مسار عابر للكرة الأرضية ليضرب من الخلف ومن حيث لا يتوقع الآخرون، فمن ينتظر قدومه من جهة الشرق فقد يتفاجأ بقدومه من جهة الغرب، فهذا الصاروخ قادر نظرياً على عبور الكرة الارضية مرات عديدة، وهذا يخفف العبء عن منصات الإطلاق البحرية المحدودة والمنتشرة في المحيطات، ويحل مشكلة قيود المسافة والإتجاه في عملية الإطلاق، وعلى الارجح سيكون هذا الصاروخ عابراً للبحار والمحيطات ليضرب من الجهات الشاطئية للدول، حيث يمتلك إمكانية الطيران على إرتفاع يقل عن 10 أمتار فوق الماء، ما يجعل من إكتشافة والتصدي له مسألة صعبة جداً. 

أما النقطة الثانية وهي أكثر أهمية، فتتمثَّل بتغيير قواعد نشر منظومات الدفاع الجوي وكشف التهديدات في أي دولة غربية، والتي في ظل تهديدات هذا الصاروخ يجب أن تأخذ بعين الإعتبار تغطية كافة الجهات ضمن 360 درجة، ولتشمل كافة المناطق والاراضي التي يمكن أن يتسلل فوقها، وهذا يتطلب إستخدام عدد كبير من منظومات الكشف للصواريخ وإعتراضها في المكان والزمان الحرجين، ما يجعل من نظرية التكامل في منظومات الدفاع الجوي مسألة غير قابلة للتطبيق، وتفرض تحديات كبيرة من حيث الكمية والنوعية في ظروف إقتصادية قد تقف عائقاً أمام تطوير هذه المنظومات ونشر أعداد كبيرة منها، أو قد توجِّه الجهود والميزانيات العسكرية المحدودة بإتجاه العمليات الدفاعية وليس الهجومية، وتجعلها تركِّز على الدفاع الجوي، ما يفقدها عامل المبادرة والمبادأة في أي حرب قادمة.

تُشير الافكار الجديدة التي يبتكرها الروس في العلوم العسكرية، ويتحملون من خلالها درجات مخاطر عالية جداً في الحوادث، وأيضاً في إحتمالات التلوث بالإشعاعات النووية، إلى مدى حراجة الموقف الذي تعيشه القيادة الروسية السياسية والعسكرية، فالمسافة أصبحت قريبة جداً من مفترق السلام أو الحرب الشاملة، والإقتصاد الروسي تحول فعلياً إلى إقتصاد حربي، وهناك الكثير من الإستعدادات التي تشير إلى توقُّع حرب مع الناتو، فهناك تشكيلات لوحدات جديدة وتحديث للهيكلية العسكرية، وتدريبات مشتركة مع بيلاروسيا وفي بحر البلطيق، إضافةً إلى الحديث عن رفع سن التجنيد من 27 سنة إلى 30 سنة، ترافق كل ذلك مع إعلان المتحدث بإسم الكرملين أن روسيا جاهزة للتعبئة العامة في اي لحظة. كل ذلك يضع العالم أمام خطر حقيقي بإندلاع حرب عالمية ثالثة، وفي الوقت الذي تدرك فيه روسيا انه وعلى الرغم الافكار والإبتكارات غير المسبوقة في قدرات صورايخها الإستراتيجية، إلا انها غير قادرة على الصمود طويلاً في حرب شاملة مع الناتو على جبهات تمتد لآلاف الكيلومترات، وبالتالي فهي تلجأ لإستراتيجية الردع النووي الحديث، عبر قدرات متفوقة في أنظمة الصواريخ الإستراتيجية، والتي يحرص بوتين على عرضها تباعاً على مسمع من الغرب، وفي مشهدية الحرب مع أوكرانيا.

تأخذ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية هذه التهديدات على محمل الجد، وعملية التطوير والإبتكار في القدرات العسكرية، تجري بشكلٍ كثيف ومتسارع في مختلف المجالات في اميركا وفي اوروبا، فلا يمكن لهذه الدول التغاضي عن هذا النوع من الأسلحة دون إستجابة سريعة وحاسمة لهذا النموذج الجديد من التهديدات، لا سيما في ظل وجود الخلل الكبير في القدرات الصاروخية الإستراتيجية بين الدول الغربية والناتو من جهة، والصين وروسيا وحلفائهما من جهة أخرى، مع الإشارة إلى أن الهدف من تركيز الروس على القدرات الصاروخية الإستراتيجية هو تعديل ميزان القوى ومواجهة التفوق الغربي بالطائرات المقاتلة والقاذفة من الجيلين الخامس والسادس، مع تصاعد المخاطر وإزدياد إحتمالات الحرب المباشرة والشاملة، أما ماذا يجب على الغرب أن يفعل في المجال العسكري:

  1. تعزيز قدرات الإستخبارات والمراقبة والإستطلاع ISR الفضائية والبحرية،.  
  2.  إنشاء أنظمة كشف وإعتراض متعددة الطبقات والخيارات والحلول في الدفاع الجوي ضد الصواريخ، (برية، بحرية، جوية وفضائية)، حيث أن المسارات الطويلة والمعقدة لهذا النوع يتطلب إنشاء عدة حواجز ومراحل للكشف والإعتراض والتدمير.
  3. الإنذار المبكر الشامل والتفعيل المباشر ضد أي تهديد.
  4. توحيد القدرات والجهود الغربية ودمج مسارح العمليات ضمن قيادة دفاع جوي واحدة منسقة ومتعاونة.
  5. دمج قدرات الذكاء الإصطناعي في أنظمة الدفاع الجوي وربط الشبكات بعضها ببعض.

لا يقتصر خطر صاروخ Burevestnik   في قُدرته على اختراق الدفاعات، بل في ما تتركه تجاربه من أزمات بيئية وسياسية، وفي زمن تُغذي فيه الأسلحة الخيالات السياسية بقدر ما تغذيها بالقدرات الفنية، علينا أن نميز بين قوّة التصريحات وقوّة التشغيل.

 نجح Burevestnik بامتياز في أن يصبح حديث الخبراء ومصدر توظيف للرهبة، ولا يكمن التحدي فقط في إيجاد الحلول للتصدي لهذا الصاروخ، بل في قراءة العقل الذي صمّمه، هل يريد به تغيير قواعد الاشتباك، أم يريد به تغيير مفاهيم الردع والخوف؟

The post صاروخ Burevestnik وإستراتيجية بوتين في الردع النووي الحديث appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top