استحوذت مشكلة تسرب الهيدروجين على جانب من الجدل العلمي المتصاعد في ألمانيا حول تقنيات الوقود الأخضر ومشكلات تخزينه المستقبلية، بالتزامن مع الخطط الرسمية الطموحة لإحداث طفرة في هذا المجال خلال العقد الحالي.
ويتجه أغلب الجهود العالمية لتعزيز الاعتماد على الوقود الأخضر المستخلص من مصادر الطاقة النظيفة في إطار خطط تحقيق الحياد الكربوني العالمية بحلول 2050، لكن الآثار السلبية لهذه النوعية من الوقود مازالت محلّ اختبار بين العلماء.
في هذا السياق، يحذّر بعض العلماء الألمان من الآثار الكارثية لاحتمالات تسرّب الهيدروجين من خطوط الأنابيب الحالية المستعملة في نقل الغاز الطبيعي، وفقًا لموقع إنرجي نيوز المتخصص (energy news).
وتستند أغلب مشروعات الهيدروجين الأخضر، حتى الآن، إلى افتراضات علمية متداولة بإمكان نقله وتخزينه عبر خطوط الأنابيب المستعملة في نقل الغاز الطبيعي نفسها، مع تعديلات طفيفة على البنية التحتية الكاملة.
الحكومة الألمانية تدرس مع العلماء
لم تغب هذه المشكلات الناشئة عن بال الحكومة الألمانية التي بدأت في مناقشتها مع بعض مراكز الأبحاث المتخصصة، على أمل الوصول لنتائج نهائية تساعد في عملية التخطيط لمشروعات الهيدروجين طويلة الأمد.
ويقول وزير الدولة الألماني لشؤون الاقتصاد والمناخ الفيدرالي ستيفان وينزل، إن مشكلة تسرّب الهيدروجين تستدعي التحقق من تصميمات البنية التحتية للهيدروجين قبل اعتماد الخطط المستقبلية طويلة الأجل.
ويعكف المعهد الفيدرالي الألماني لأبحاث المواد (بي أيه إم)، في الوقت الحالي، على دراسة احتمالات تسرّب الهيدروجين وآثار انبعاثاته على المناخ والغلاف الجوي.
يوضح كبير الباحثين في المعهد كاي هولتبليز أن انبعاثات الهيدروجين غير المقصودة في الغلاف الجوي مشكلة معروفة في الأوساط العلمية تبحث عن حلول.
دراسة الأنابيب مهمة
يؤكد الباحث أهمية البحث عن حلول تقنية لمنع التسرب أو خفضه لأدنى مستوى في المستقبل المتجه لزيادة الاعتماد على مشروعات الهيدروجين الأخضر المرشح لوراثة مصادر الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا للبيئة.
من هذه الزاوية، يركّز الباحث على ضرورة إخضاع عناصر البنية التحتية المحتملة للهيدروجين للدراسة العلمية الدقيقة، لا سيما الأنابيب المرشحة لحمل الوقود الأخضر محليًا وإقليميًا ودوليًا، بدلًا من الغاز في المستقبل.
وتخطط أوروبا لمدّ خطوط أنابيب الهيدروجين على مسافة 27 ألف كيلومتر مربع بحلول عام 2030، في إطار جهود التنسيق الشاملة بين دول الاتحاد الأوروبي.
ورصد الباحث الألماني عدّة دراسات علمية، خلال السنوات الأخيرة، تحذّر من عواقب التسرب غير المنضبط لانبعاثات الهيدروجين في الغلاف الجوي.
عواقب تسرب الهيدروجين
يقول كاي هولتبليز، إن الهيدروجين نفسه ليس له تأثير سلبي واضح في المناخ، لكن قد تحدث آثار جانبية من تسرّبه بكميات كبيرة في الغلاف الجوي.
ويمكن لكميات كبيرة من الهيدروجين المتسرب أن تتسبب بزيادة كميات الأوزون في الغلاف الجوي؛ ما قد يؤدي إلى تباطؤ تحلل غاز الميثان الضار بالمناخ.
ودفع هذا الاستنتاج الخطير الباحثين الألمان للتحقق من الأثر غير المباشر لتسرب الهيدروجين في المناخ، لينتهي بعضهم إلى نتائج مرعبة بالنسبة لأنصار الوقود الأخضر في العالم.
باحثة تتوصل لنتائج مرعبة
توصلت دراسة، أعدّتها كبيرة الباحثين في الأكاديمية الألمانية للعلوم والهندسة أندريا لوبكه، إلى أن احتساب الأثر المناخي غير المباشر لانبعاثات الهيدروجين على مدار 20 عامًا قد يزيد بمعدل 33 مرة عن التأثير المناخي لثاني أكسيد الكربون.
تقول الباحثة، إن ما توصلت إليه من نتائج مرشح للتصاعد في حالة إجراء دراسات أحدث، مع تسليمها بأن اختلاف المنهجيات المستعمَلة في الحساب يمكن أن تؤدي إلى اختلاف كبير في النتائج النهائية.
وتوصي أندريا لوبكه شركات نقل الغاز الأوروبية بضرورة مراقبة واختبار أنظمة تسرب الميثان في خطوط الأنابيب المرشح استعمالها في البنية التحتية المستقبلية للهيدروجين في أوروبا.
وأظهرت دراسات علمية سابقة حول منشآت الغاز الطبيعي المحولة صعوبة انبعاث الهيدروجين من خطوط الأنابيب الحالية المستعملة في نقل الغاز، لكن الباحثة الألمانية مازالت تتشكك في هذا الأمر، وتدعو إلى مزيد من التحقق.
نحتاج معدّات قياس أعلى
تؤكد الباحثة صعوبة اختبار تسرب جزيئات الهيدروجين متناهية الصغر عبر أنابيب فولاذية محكمة الغلق بكثافة اللحام، وترى أن هذا الأمر يحتاج إلى استعمال معدّات قياس ذات درجة حساسية أعلى.
يشار إلى أن مسألة ضبط تسرب غاز الميثان من شبكات الغاز الأوروبية مازالت محل مناقشة وتفاوض بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وسط ضغوط متصاعدة تمارسها المجموعات الحقوقية والبيئية في هذا الشأن.
ولم تتوصل الدول الأعضاء إلى اتفاق بشأن لائحة التحكم بانبعاثات الميثان من قطاع النفط والغاز نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتستهدف اللائحة المقترحة إلزام الشركات المشغّلة لشبكات النفط والغاز، بالتحقق الدوري من تسرب الميثان وإصلاحه في مصانعهم.
ويخشى العلماء الألمان من ظهور مشكلات التسرب في حالة تحويل البنية التحتية الحالية للغاز إلى الهيدروجين، كما لا يستبعدون تفاقم هذه المشكلة مع الزمن؛ لضعف الاعتراف بها بصورة واضحة في الوقت الراهن، رغم الصعود المتزايد لمشروعات إنتاج وتخزين الهيدروجين على مستوى قطاعات النقل البري والبحري كافة، إضافة إلى الصناعة بفروعها المختلفة.
سمعة الهيدروجين طيبة
يكتسب الهيدروجين سمعة طيبة بين خبراء قطاع النقل البحري، بوصفه أنسب وقود بديل للوقود الأحفوري؛ لسهولة تأقلمه مع أنظمة تشغيل أغلب السفن الحالية دون تعديلات فنية كبيرة على نظامها العام.
كما يتميز الهيدروجين بسهولة تحزينه بكميات كبيرة لمدد طويلة، تلائم رحلات الحاويات العملاقة المسافرة عبر القارات لنقل البضائع وغيرها.
وترجح مؤسسات دولية أن يؤدي الهيدروجين الأخضر دروًا مركزيًا في خفض انبعاثات الكربون من قطاع الشحن البحري بنسبة 80% على مستوى العالم بحلول عام 2050، وفقًا لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا".
كما يكتسب الهيدروجين جاذبية أكبر في قطاع السيارات والشاحنات؛ إذ تجري المفاضلة بينه وبين السيارات التقليدية، إضافة إلى منافسته للسيارات والمركبات الكهربائية .
وتعتمد السيارات والشاحنات الكهربائية على بطاريات باهظة الثمن، وتحتاج إلى إعادة الشحن لوقت طويل قد يمتد إلى ساعات، بينما لا يحتاج الهيدروجين إلا لمدّة وجيزة لا تتجاوز 5 دقائق لملء الخزان بطريقة ملء خزانات الوقود الأحفوري نفسها.
كما تتميز المركبات الهيدروجينية بقدرتها على قطع مسافات أطول بنسبة 50% مقارنة بالمركبات الكهربائية؛ ما يساعد حركة النقل في المناطق البعيدة أو النائية عن المدن والعواصم، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
موضوعات متعلقة..
- علماء: الهيدروجين الأخضر خطر رغم إمكاناته الكبيرة
- مخاطر مشروعات الهيدروجين.. إعلان أول تأمين في العالم
- بي إم دبليو تستعد لإطلاق طراز سيارات الهيدروجين الجديد في هذا الموعد
اقرأ أيضًا..
- بعد انهيار الجنيه المصري.. شركات نفطية تطلب مستحقاتها بالدولار
- انهيار أكبر مشروع للطاقة الشمسية وتخزين البطاريات في العالم
- ثاني أكبر بلد منتج للنحاس في العالم.. قطاع التعدين في بيرو يواجه أزمة
إقرأ: تسرب الهيدروجين أخطر على المناخ من ثاني أكسيد الكربون بمعدل 33 مرة (دراسة) على منصة الطاقة