على الرغم من الآمال الكبيرة المعلّقة على الهيدروجين الأخضر والاستثمارات الضخمة في مصادر الطاقة المتجددة، يرى بعض العلماء أن استعمال هذا الوقود المستقبلي ينطوي على مخاطر محتملة في حالة تسرُّبه.
ويقول العلماء إن نقص البيانات عن تسرُّب الهيدروجين والأضرار المحتملة التي يمكن أن يسببها تمثّل جانبًا قاتمًا للصناعة الناشئة، حسبما نشرت شبكة يورونيوز (Euronews).
وقد برَز الهيدروجين الأخضر، المصنوع حصريًا من الطاقة المتجددة، بصفته بديلًا واعدًا للوقود الأحفوري الملوث، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
مزايا الهيدروجين البيئية
تشير 4 دراسات على الأقل -نُشرت في العام المنصرم 2022- إلى أن الهيدروجين يفقد ميزته البيئية عندما يتسرّب إلى الغلاف الجوي. يعود ذلك لأنه يقلل من تركيز الجزيئات التي تدمر غازات الدفيئة الموجودة بالفعل، ما قد يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقال عالمان، إنه في حالة حدوث تسرّب بنسبة 10% في أثناء إنتاجه أو نقله أو تخزينه أو استعماله، فإن فوائد استعمال الهيدروجين الأخضر على الوقود الأحفوري ستتلاشى تمامًا.
ويضيفان أن الافتقار إلى التكنولوجيا لمراقبة تسرب الهيدروجين يعني وجود فجوة في البيانات، ويؤكّدان الحاجة إلى مزيد من البحث لحساب تأثيرها الصافي في ظاهرة الاحتباس الحراري قبل اتخاذ قرارات الاستثمار النهائية.
رغم ذلك، تعلّق الحكومات وشركات الطاقة آمالًا كبيرة على الهيدروجين الأخضر.
في أوروبا، تدفع أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا الحكومات إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وقد أدى الارتفاع الحاد في أسعار الغاز إلى جعل الهيدروجين الأخضر يبدو متاحًا للجميع.
في سبتمبر/أيلول 2022، وافق الاتحاد الأوروبي على تقديم 5.2 مليار يورو (5.58 مليار دولار) دعمًا لمشروعات الهيدروجين الأخضر. وأدرجت الولايات المتحدة مليارات الدولارات من الإعفاءات الضريبية للهيدروجين الأخضر في قانونها لخفض التضخم.
الانتقال إلى الهيدروجين الأخضر
نشرت جامعة كولومبيا، وصندوق الدفاع البيئي، ومجموعة فريزر ناش الاستشارية، وجامعتا كامبريدج وريدينغ، دراسات بشأن مخاطر التسربات التي تقوّض الفوائد المناخية للهيدروجين الأخضر.
وقالت الباحثة في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، آن صوفي كوربو: "نحتاج إلى بيانات وأجهزة أفضل بكثير لقياس التسرب، بالإضافة إلى لائحة تنظيمية تفرض قياسه".
وتُقدّر أن معدلات التسرب يمكن وصولها إلى 5.6% بحلول عام 2050 عندما يُستعمل الهيدروجين على نطاق أوسع.
بدوره، يعمل معهد أبحاث المناخ النرويجي (سيسيرو) على دراسة مدتها 3 سنوات ونصف السنة، من المقرر أن تنتهي في يونيو/حزيران 2024، بشأن تأثير انبعاثات الهيدروجين. وتقول المشرفة على البحث ماريا ساند: "إن هناك فجوة كبيرة في المعلومات".
وتضيف قائلة: "نحن بحاجة إلى أن نكون على دراية بالتسربات، ونحتاج إلى بعض الإجابات، هناك إمكانات كبيرة للهيدروجين، نحتاج فقط إلى معرفة المزيد قبل إجراء التحول الكبير".
مدى شيوع تسرب الهيدروجين
لم يُراقب الهيدروجين بحثًا عن تسرّبات في الماضي، ومعظم الغازات عديمة الرائحة المستعملة الآن تُصنع حيث تُستهلك، وتوجد خطط لتوصيله بالأنابيب وشحنه لمسافات شاسعة، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتأمل صناعة الوقود الأحفوري انتقال الهيدروجين في النهاية عبر البنية التحتية الحالية، مثل خطوط أنابيب الغاز ومحطات استيراد الغاز الطبيعي المسال وتصديره.
وينتقل نحو 1% من الغاز الطبيعي، ومعظمه من الميثان، عبر تسرُّبات البنية التحتية الأوروبية، وترتفع المعدلات في بعض الدول بما في ذلك روسيا، بحسب محللين وصور الأقمار الصناعية للتسربات.
وتقول المشرفة على دراسة معهد أبحاث المناخ النرويجي (سيسيرو)، ماريا ساند: "هناك الكثير ما لا نعرفه عن الهيدروجين، لا نعرف حتى الآن ما إذا كان بإمكاننا الافتراض أنه سيتصرف بالطريقة نفسها التي يتصرّف بها الميثان".
وأظهرت النتائج الأولية للاختبارات في خطوط الأنابيب لدى موقع أبحاث سباديادام التابع لشركة "دي إن في"، في شمال إنجلترا، أن الهيدروجين يتسرّب في الأماكن نفسها وبمعدلات الغاز الطبيعي نفسها.
وترى الشركات العاملة في مشروعات الهيدروجين الأخضر أن المراقبة الدقيقة ستكون ضرورية.
ويقول العلماء والمحللون إنه نظرًا إلى أن جزيئات الهيدروجين أصغر حجمًا وأخف وزنًا من تلك الموجودة في الميثان فمن الصعب احتواؤها.
ولدى دخوله إلى خطوط الأنابيب، يمكن للهيدروجين أن يضعف الأنابيب المعدنية ما قد يؤدي إلى تشققها، ويُعدّ الهيدروجين أكثر قابلية للانفجار من الغاز الطبيعي، ما قد يؤدي إلى مشكلات تتعلق بالسلامة.
ويقول العلماء إنه في حين أنه من غير المتوقع أن يكون التسرب المحتمل للهيدروجين على نطاق يمكن أن يعرقل جميع خطط الهيدروجين الخضراء، فإن أي تسرب من شأنه أن يؤدي إلى تلاشي الفوائد المناخية.
أنواع الهيدروجين
يُعرف الهيدروجين بأنه غاز قابل للاحتراق بدرجة عالية، ويمكنه تخزين الطاقة وتوصيلها، وهو أبسط العناصر وأكثرها وفرة على الأرض، ولا يوجد عادةً في شكله الحر، ويجب استخراجه من المركبات التي تحتوي عليه، مثل الماء والفحم، والغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية.
ويعتمد إنتاج الهيدروجين المستعمل منذ مدة طويلة في مصافي النفط ومصانع الكيماويات وصناعة الأسمدة على الغاز الطبيعي أو الفحم، في العمليات التي تنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
وغالبًا ما يُشار إلى هذا النوع من الهيدروجين الأحفوري باسم الهيدروجين "الرمادي".
ويقدّر خبراء الصناعة أن نحو 95% من إنتاج الهيدروجين يستعمل حاليًا الوقود الأحفوري، ويولد كمية من ثاني أكسيد الكربون تعادل انبعاثات المملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعتين.
وعلى النقيض من ذلك، يُصنع الهيدروجين "الأخضر" باستعمال الطاقة المتجددة لتقسيم الماء إلى مكونين: الهيدروجين والأكسجين، من خلال التحليل الكهربائي، دون إنتاج غازات الدفيئة.
ويمكن لهذا النوع من الهيدروجين "النظيف" أن يحل محل الوقود الأحفوري في القطاعات التي لا يمكن أن تتحول بسهولة إلى استعمال الكهرباء، مثل صناعة الصلب أو النقل الثقيل.
ويتمثّل عامل الجذب الرئيس لاستعمال الهيدروجين وقودًا في أن المنتج الثانوي الرئيس هو بخار الماء، جنبًا إلى جنب مع كميات صغيرة من أكاسيد النيتروجين، ما يجعله أقل تلويثًا بكثير من الوقود الأحفوري، بافتراض عدم تسربه.
وتُعدّ التسرُّبات واحدة من العديد من القضايا التي عرقلت اعتماد الهيدروجين الأخضر، إلى جانب التكاليف المرتفعة، ومخاوف السلامة، والحاجة إلى الاستثمار في طاقة متجددة كافية لصنعه، وكذلك في البنية التحتية لتخزين الغاز عديم اللون ونقله.
مخاطر تسرب الهيدروجين الأخضر
في ديسمبر/كانون الأول 2022، دعت المفوضية الأوروبية إلى تقديم طلبات لتمويل مزيد من الأبحاث حول المخاطر المرتبطة بنشر الهيدروجين على نطاق واسع.
وطلبت المفوضية من الباحثين إظهار كيف يمكن للهيدروجين أن يقلل الاحتباس الحراري عن طريق استبدال الوقود الأحفوري، وكيف يمكن أن يُسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري في حالة التسرب، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
علاوة على ذلك، حثّت دراسة لمؤسسة صندوق الدفاع البيئي الأميركية الحكومات والشركات على جمع البيانات بشأن معدلات تسرب الهيدروجين أولًا، ثم تحديد أعلى المخاطر وطريقة التخفيف منها قبل بناء البنية التحتية اللازمة.
وتظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية أن ما يقرب من 300 مشروع هيدروجين أخضر قيد الإنشاء أو بدأت في جميع أنحاء العالم، لكن الغالبية العظمى منها عبارة عن مصانع تجريبية صغيرة.
ويوجد أكبر هذه المشروعات في الصين، إذ تستعمل مجموعة "نينغشيا باوفينغ إنرجي غروب" الهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقة الشمسية لتصنيع البتروكيماويات مثل البولي إيثيلين والبولي بروبيلين.
وتتوقع شركة دي إن في الاستشارية البريطانية أن الهيدروجين الأخضر سيحتاج إلى تلبية نحو 12% من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050، لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
موضوعات متعلقة..
- خريطة طريق الهيدروجين الأخضر تعزز مكانة المغرب في الأسواق العالمية (تقرير)
- الهيدروجين سلاح ألمانيا لحل أزمة الطاقة.. ومناقصة غير مسبوقة في أوروبا
- الطائرات الهيدروجينية أم الكهربائية.. أيهما أفضل لتجنب انبعاثات الصناعة؟
اقرأ أيضًا..
- لدفع ثمن الغاز الروسي.. بوتين يقدم عرضًا جديدًا إلى الدول "غير الصديقة"
- العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأميركي تتراجع لأدنى مستوياتها في 10 أشهر
- بقيادة مصر وليبيا.. الطلب على منصات الحفر في أفريقيا يترقب طفرة خلال 2023
إقرأ: علماء: الهيدروجين الأخضر خطر رغم إمكاناته الكبيرة على منصة الطاقة
from الطاقة https://ift.tt/obWJflL
via IFTTT