ما زالت أزمة نقص الغاز في باكستان تبحث عن حلول عملية لإنقاذ البلاد المأزومة سياسيًا، من مخاطر الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية المرشحة في ظل أزمات الطاقة المتفاقمة منذ سنوات.
وتواجه باكستان في الوقت الحالي أزمة حادة في إمدادات الغاز إلى قطاعَي المنازل والصناعة على وجه الخصوص، بالتزامن مع نقص حادّ في احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية.
ويبلغ حجم الطلب على الغاز الطبيعي في باكستان قرابة 2.5 مليار قدم مكعبة يوميًا، بينما يبلغ المعروض قرابة 1.7 مليار قدم مكعبة يوميًا، وفقًا لموقع ذا نيوز (thenews).
1.35 مليار قدم عجز يومي
تشير الأرقام بوضوح إلى حجم أزمة نقص الغاز في باكستان، إذ يبلغ العجز قرابة 800 مليون قدم مكعبة يوميًا، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى تجاوز العجز حاجز 1.35 مليار قدم مكعبة يوميًا في شتاء 2022-2023، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعاني أكبر شركتين حكوميتين في باكستان من نقص الغاز بصورة ضخمة تقترب من مليار قدم مكعبة يوميًا في شركة سوي غاز ليمتد المختصة بالمناطق الشمالية في البلاد.
بينما تعاني شركة "سوي غاز" المختصة بالمناطق الجنوبية من عجز يصل إلى 350 مليون قدم مكعبة يوميًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتتزامن أزمة نقص الغاز في باكستان مع أزمة مالية متمثلة في تدهور الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بصورة حادة؛ ما يجعل الحكومة الباكستانية عاجزة عن تلبية الطلب عبر الاستيراد في ظل اشتعال أسعار الغاز العالمية.
احتياطي نقدي لا يكفي شهرًا
انخفض الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في باكستان إلى 7.5 مليار دولار فقط حتى 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وهو مبلغ لا يكفي لسدّ فاتورة الواردات فقط لمدة تزيد على شهر واحد.
ويبلغ عدد سكان باكستان قرابة 232 مليون نسمة، وتحتلّ المركز الـ21 في استهلاك الغاز الطبيعي على مستوى العالم.
وتقدّم باكستان الغاز الطبيعي لقطاعات توليد الكهرباء، والمنازل، والأسمدة، بأسعار مدعومة؛ ما يكبّد البلاد فروقًا مالية ضخمة لسداد الفارق بين تكاليف الغاز الحقيقة وأسعار بيعه للجمهور وبعض قطاعات الصناعة الحيوية.
واضطرت الحكومة الباكستانية مؤخرًا لإعلان خطة طارئة في التعامل مع ضغوط الطلب المرتفع على الغاز في الشتاء الحالي عبر إتاحة الإمدادات للمنازل لمدة 8 ساعات فقط يوميًا.
انخفاض حادّ في الاحتياطيات المؤكدة
على الجانب الآخر، تواجه باكستان أزمة حادة في انخفاض احتياطياتها من الغاز المحلّي بسبب إحجام الشركات الدولية عن التوسع في الاستكشافات الجديدة لاضطراب الأوضاع السياسية في البلاد، وكثرة تغيير الحكومات.
وانخفضت احتياطيات الغاز المؤكدة في باكستان بصورة ضخمة من 23.9 تريليون قدم مكعبة عام 2006، إلى 13.6 تريليون قدم مكعبة في عام 2020.
وتشير هذه البيانات القياسية إلى انخفاض معدلات إنتاج الغاز المحلي في باكستان بصورة ضخمة، بلغت ذروتها بداية من عام 2012، إذ قررت الحكومة سدّ العجز بالاستيراد من قطر.
كما شهدت السنوات التالية تطورات مهمة فيما يتعلق بصفقة استيراد الغاز الطبيعي المسال، وإنشاء البنية التحتية المساعدة، وبناء محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعي.
وفي عام 2016، وقّعت باكستان صفقة بمليارات الدولارات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لمدة 16 عامًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وانتهت أعمال محطتي تخزين الغاز المسال في عامي 2015 و2017 في العاصمة كراتشي، كما خُطِّطَ لإنشاء 5 محطات كهرباء جديدة تعمل بالغاز المسال.
وتتوزع هذه المحطات الـ5 في مدينة نانديبور الصناعية بطاقة 525 ميغاواط ، ومنطقة بيكي بإقليم البنجاب بطاقة 1231 ميغاواط.
كما تقع المحطة الـ3 في مدينة هافيلي بهادور شاه بطاقة 1277 ميغاواط، بينما تقع محطة أخرى في مدينة بالوكي بطاقة 1276 ميغاواط، أمّا المحطة الـ5 فتقع في مدينة جهنك بطاقة 1263 ميغاواط، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعتمد محطات الكهرباء الـ5 السابقة على واردات الغاز المسال الباكستانية من الخارج، و التي تضاعفَ حجمها مرات ومرات خلال السنوات الماضية.
تضاعف الواردات بمعدل 1670%
تضاعفت واردات الغاز المسال من 19.7 مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 2015 إلى 348.5 مليون وحدة في عام 2020، بنسبة نمو 1670%، وفقًا لحسابات منصة الطاقة المتخصصة.
كما تضاعفت فاتورة واردات الغاز المسال الباكستانية من 151 مليون دولار في عام 2015 إلى 2.55 مليار دولار في عام 2020.
وضاعفت الحرب الروسية الأوكرانية من تكلفة الواردات مرات أخرى، بسبب اشتعال أسعار الغاز المسال عالميًا؛ ما وضع الحكومة الباكستانية في وضع شديد التأزم بسبب عدم قدرتها على شراء كميات ضخمة من السوق الفورية المشتعلة لسدّ فجوة عجز إمدادات الغاز المحلية.
ولا ترجّح مؤسسات دولية انخفاض أسعار الغاز المسال عالميًا قبل عام 2025 على الأقلّ؛ ما قد يعرّض باكستان لأزمات مضاعفة خلال العامين المقبلين، إذا لم تستطع توفير النقد الأجنبي اللازم لشراء الكميات البديلة لشعبها.
ويخشى مراقبون من نفاد احتياطيات الغاز المحلية في باكستان خلال 10 أو 12 سنة على الأكثر، بسبب استنزاف الإنتاج وضعف الاستكشافات الجديدة نتيجة ظروف عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
الحكومة مازالت تفكر في الغاز
رغم كل المخاطر المحيطة بالغاز المسال، ما زال تركيز الحكومة منصبًا على الغاز دون غيره من مصادر الطاقة المتجددة التي تتوافر أجواؤها في المقاطعات الجنوبية للبلاد على الأقلّ، حيث تتوافر الشمس والرياح العاتية.
وينصبّ تفكير الحكومة على التوسع في البنية التحتية للغاز، وإضافة محطات كهرباء جديدة تعمل بالغاز بدلًا من التفكير في مشروعات طاقة الشمس والرياح.
وتعمل شركتا تابيير وإنرغاز في الوقت الحالي على إنشاء محطتين جديدتين للغاز المسال في العاصمة كراتشي.
ويتعارض توسّع باكستان في مشروعات الغاز المسال مع التزامها باتفاقية باريس للمناخ عام 2015، كما يتناقض مع مسار زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة.
دراسة تحذّر من الاعتماد على الغاز
حذّرت دراسة أعدّها معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي في يونيو/حزيران 2022، من مخاطر تزايد اعتماد باكستان على الغاز المسال؛ ما قد يقوّض أمن الطاقة ويعرّض الاستقرار المالي للبلاد إلى اهتزاز.
وترجّح الدراسة تضاعُف قيمة واردات الغاز المسال الباكستانية من 2.6 مليار دولار خلال عام السنة المالية 2021، إلى 32 مليار دولار في السنة المالية 2030.
ومن المتوقع أن تتزايد التشابكات المالية للغاز المسال في صناعات الطاقة والأسمدة والمنسوجات والقطاعات الأخرى التي تعتمد عليه بصورة كبيرة.
وسيؤدي استمرار ارتفاع تكلفة الغاز المسال إلى تعقيد المشكلات القائمة في النظام بالفعل، لا سيما مشكلات دعم الأسعار، وحجم الديون غير المحسوبة للغاز، كما ستفاقم تقلّبات الأسعار العالمية من الآثار السلبية غير المباشرة في قطاعات الاقتصاد الكلي.
إضافة إلى ذلك، لا يعدّ الغاز من مصادر الوقود الآمنة اجتماعيًا وبيئيًا، لقابليته للاشتعال والحرائق، ولقدرته على تلويث المياه والهواء وإحداث آثار جانبية ضارة على صحة وسلامة المجتمعات المحلية.
ويشعر سكان قرية ريهري جوث –إحدى ضواحي كراتشي- بالخسائر البيئية التي تسبّبها محطات الغاز المسال في ميناء قاسم، إذ تُقطع آلاف الأشجار الساحلية المعروفة بأشجار القرم أو المانغروف على طول ساحل كراتشي لإفساح المجال لمحطات الغاز.
ويخشي سكان القرية العاملون بالصيد من خسائر هائلة في التنوع البيولوجي في المناطق الساحلية؛ ما يهدد صناعة الصيد التي يرتزقون منها عبر عقود من الزمن.
الغاز الحيوي قد يكون بديلًا
ينصح منسّق الاتصال في منظمة بلان الدولية للعمل التنموي والإنساني البروفسور الباكستاني أزهر الأشعري حكومة البلاد بزيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك مشروعات الغاز الحيوي، والهيدروجين الأخضر، وطاقة الشمس والرياح.
ويقترح الأشعري البدء في مشروع إنتاج الغاز الحيوي من روث الحيوانات ومخلّفات الزراعة والطعام.
ويمكن للغاز الحيوي أن يحلّ محل الغاز الطبيعي على الأقلّ في الأغراض المنزلية الخاصة بالتدفئة والطهي؛ ما قد يسهم في تخفيف الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها باكستان.
كما يمكن للهيدروجين الأخضر أن يوفر بديًلا للغاز الطبيعي في قطاع صناعة الأسمدة، إضافة إلى مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الأجزاء الجنوبية الغربية من باكستان، حيث تسطع الشمس بمعدلات مشجعة، كما تهب الرياح بشدة على مناطق أخرى.
وبلغت تكلفة توليد الكهرباء بالغاز المسال خلال فصل الشتاء قرابة 16 روبية/كيلوواط/ساعة، بينما بلغ سعر إنتاج الكهرباء من تقنيات الشمس والرياح قرابة 6 روبيات/كيلوواط/ساعة فقط، وفقًا للأشعري المتحمس للمشروعات النظيفة.
(الدولار الأميركي= 228.7 روبية باكستانية).
موضوعات متعلقة..
- السعودية تدعم باكستان بمليار دولار لمواجهة أزمة الوقود
- باكستان تشتري النفط الروسي بأسعار مخفضة "غير معلنة"
- أزمة الوقود في باكستان تتفاقم بعد إغلاق إحدى المصافي الرئيسة مؤقتًا
اقرأ أيضًا..
- الغاز الجزائري يترقب صفقة جديدة خلال زيارة رئيسة وزراء إيطاليا
- حيلة جديدة لتصدير النفط الروسي وتخزينه بإحدى الدول العربية
- أكثر 5 شخصيات اعتبارية تأثيرًا في أسواق الطاقة العالمية خلال 2022 (تقرير)
إقرأ: أزمة نقص الغاز في باكستان مازالت تبحث عن حلول وسط تفاقم العجز الشتوي (تقرير) على منصة الطاقة