دفاع العرب Defense Arabia
عاد الإمام الخميني في الأول من شباط من منفاه في فرنسا إلى العاصمة طهران وسط استقبال جماهيري اعتُبر أكبر حشد في تاريخ البلاد، ومنذ ذلك اليوم، تغيَّر كل شيء في إيران وانتصرت الثورة الإسلامية بعد إطاحة النظام الملكي، لتنتقل البلاد ولأول مرة في تاريخها من نظام ملكي دام لقرون إلى نظام جمهوري أُسِّس على نظرية “ولاية الفقيه” من قبل الزعيم الديني آية الله الخميني، والذي أصدر في 5 أيار 1979، مرسوماً تَّم بموجبه تشكيل “حرس الثورة الإسلامية”، أو وفقاً للتسمية الغربية “IRGC-Islamic Revolutionary Guard Corps”.

يُعتبر الحرس الثوري الإيراني، أحد أبرز مؤسسات جمهورية إيران الإسلامية، ويُعرف باللغة الفارسية باسم “سباه باسدران إنقلابي إسلامي”، أو “فيلق الحرس الثوري الإسلامي”. تأسَّس بأمر من مرشد الثورة الإيرانية روح الله الخميني “لحراسة الثورة” ووصفه حينها بـ”الجيش العقائدي”، وللحرس الثوري نفوذ سياسي وامتدادات وحضور في قطاعات عديدة بالبلاد، منها الأمنية والإستخباراتية والصناعية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية. تم إنشاء هذا الجهاز لحماية الثورة والنظام الجديد من التهديدات الداخلية والخارجية، ولا يُعتبر الحرس الثوري جزءًا من القوات المسلحة الإيرانية، فله قيادة مستقلة ويتلقى أوامره من المرشد الأعلى للجمهورية، ويقدم له تقاريره مباشرة ودون وسيط، وقد تطور مع الوقت ليصبح قوة كبيرة داخل البلاد، لها يد في كل القطاعات الحساسة والحيوية، ولها تأثير أساسي وحاسم في صناعة القرار، ويُقدَّر عدد أعضاء الحرس الثوري الإيراني بـ400 ألف عنصر مقاتل بين قوات برية وجوية وبحرية. ويُدير الحرس الثوري كيانين: الأول قوات شبه عسكرية تسمى “الباسيج” تتكون من حوالي 100 ألف عنصر على الأقل من الرجال والنساء المتطوعين، ومن ضمنهم طلاب في الجامعات، ويتولى “الباسيج” مهام التصدي للأنشطة التي توصف بالمناهضة للنظام بالداخل، كما يقوم بمهام اجتماعية ثقافية ذات بعد ديني تعبوي لتعزيز الانتماء للنظام وقيادته، بالإضافة إلى مهام أمنية تتعلق بشرطة الأخلاق ومكافحة الشغب والمظاهرات. وأما الكيان الثاني فهو “فيلق القدس”، الذي قدرت تقارير إعلامية عدد أعضائه بـ 15 ألى 20 ألف مقاتل، وينفذ عملياته خارج الحدود الإقليمية لإيران. يتشكل الهرم التنظيمي للحرس الثوري من القائد الأعلى الذي يعينه الولي الفقيه ومرشد الثورة، ونائب القائد الأعلى، ورئيس الأركان الذي ينظم العلاقات بين القوى الخمس للحرس الثوري (القوة البرية لجيش حراس الثورة الإسلامية، والقوة الجوية والقوة البحرية وقوات المقاومة “البسيج” و”فيلق القدس”.

تلقى الحرس الثوري الإيراني ضربات مفاجأة وقوية جداً في الحرب مع إسرائيل، فقد فاجأت القوات الجوية الإسرائيلية إيران باستهدافها بغارات كثيفة ومتزامنة على مواقع ومنشآت وقيادات في الحرس الثوري، مسجِّلة خرقاً إستخباراتياً كبيراً ونجاحاً ساحقاً وغير مسبوق في تطبيق مفهوم “الضربة الأولى”، مع فشل ذريع لوسائط الدفاع الجوي ولمنظومات الأمن والمعلومات في إيران. إلا أن إسرائيل في المقابل، تلقت أيضاً ضربات صاروخية مدمرة على مدنها مع فشل كبير في تحقيق الحماية من قبل دفاعاتها الجوية على الرغم من تكثيف هذه الدفاعات، والتي تم تعزيزها بمنظومات “ثاد” الأميركية، حيث تغلبت الكمية على النوعية في هذه المواجهة.

أثبتت إسرائيل من خلال النجاح في عملياتها العسكرية والإستخباراتية، والدقة غير المسبوقة في الإستهداف، والقدرة على تحديد متطلبات التدمير أو القتل لأي هدف مادي أو بشري أو حتى معنوى، انها كانت تدرك أن هذه المواجهة قادمة لا محالة، وهي على الأرجح بدأت بالتحضير لها منذ عملية طوفان الاقصى، والتي أبرزت فشلها الإستخباراتي، وعملت على إجراء تعديلات وتغييرات جذرية في منظومات الإستخبارات لديها، لا سيما في الوحدة 8200، وفي شبكات العملاء والجواسيس في الخارج، ومن خلال هذا التحضير تفوقت على خصومها في العديد من المجالات، واستفادت من الدعم العسكري والتكنولوجي العسكري المقدم لها من حلفائها الغربيين، إضافةً إلى نجاحها في تهيئة الظروف للتدخل الأميركي لضرب بعض المنشآت النووية، وتقديم الدعم اللوجستي والمعلومات في المكان والزمان الحرجين قبل وخلال هذه الحرب.
إستعانت إسرائيل بتكنولوجيا متطورة جداً في عمليات الإستخبارات وجمع المعلومات، وكانت عملياتها اشبه بتدخل لقوات خاصة محترفة في عمق العدو، وهي عملت على اربع مسارات إستخباراتية كانت جميعها تصب في منظومة الدمج والتحليل للحصول على النتائج المطلوبة لدعم القرار وتصويبه، والمسار الأول يتعلق بإلتقاط الإشارات السلكية واللاسكية من خلال التنصت والإعتراض بإستخدام تقنيات متقدمة، واستطاعت من خلال ذلك الدخول إلى هواتف المستخدمين ونسخ كافة المعلومات المسجلة واستخدام الكاميرات فيها، المسار الثاني يتعلق بجمع الصور والفيديوهات عن الأهداف ذات القيمة العالية من مواقع ومنشآت، إضافةً إلى الأشخاص القياديين والعلماء، ليتسنى لها متابعتهم في كافة تنقلاتهم وأماكن تواجدهم من خلال مراقبتهم بالأقمار الإصطناعية والمسيرات وطائرات الإستطلاع وتتبع الشبكة الإجتماعية الخاصة بهم. أما المسار الثالث فتم عن طريق العملاء والجواسيس الذين عملوا في الداخل الإيراني وقدموا معلومات لا تقدر بثمن عن النشاطات الهامة، سواء داخل المنشآت النووية، أو في مواقع صناعة الصواريخ وتخزينها، وفي بعض المواقع العسكرية القيادية التابعة للحرس الثوري، أما المسار الرابع والأخير، فتم عبر إختراق الشبكات الإلكترونية الحكومية والعسكرية وحتى بعض الشبكات التابعة لبعض الوزارات والإدارات الحكومية المدنية، ونسخ كافة المعلومات الضروري، وإستخدامها في الحرب. لقد كانت حرب إسرائيل في الدرجة الأولى ضد الحرس الثوري وضد النخبة العلمية العاملة في الملف النووي، فعلى صعيد الحرس الثوري ارادت إسرائيل ضرب هيبته ومكانته العسكرية والإستخباراتية، وتوجيه ضربة معنوية بالتزامن مع إلحاق الخسائر المادية، وكان لافتا عدم إستهدافها للقطع البحرية العسكرية وبعض المنظومات الأخرى التابعة للجيش، أما بالنسبة للعلماء النووين الذين اغتالتهم ووصلت إليهم على الرغم من كافة تدابير الحماية، فهي ارادت فرض تهديد وجودي على أي شخص أو عالم قد ينخرط مستقبلاً في أي نشاط نووي تراه خطراً عليها.
بعد أن انتهت الحرب بين إسرائيل وإيران ضمن إتفاق مبهم، لتستمر في غزة ولبنان واليمن، تُطرح تساؤلات حول أهداف السياسة الخارجية الإيرانية بعد هذا الإتفاق، فهل هو إتفاق فك إشتباك نهائي، أم هدنة مؤقتة، أم “وقفة عملياتية” ستنتهي فجأة لتعود الحرب بصورة أكثر عنفاً وقوة، يحتاج شعب إيران وحلفاءها ومؤيديها إلى إجابات صريحة وواضحة على هذه التساؤلات، لا سيما في خضم فوضى التصريحات والمواقف المبهمة والمتناقضة من قبل أطراف الصراع.
The post الحرس الثوري الإيراني.. التوجه العقائدي في مواجهة التكنولوجيا appeared first on Defense Arabia.