قصة ASELFLIR 500: كيف حولت “أسيلسان” الحظر التكنولوجي إلى ميزة تنافسية عالمية

0

دفاع العرب Defense Arabia

سامي أورفلي – Defense Arabia

في ساحة المنافسة الدولية لقطاع الدفاع، غالباً ما تُعتبر القيود التكنولوجية وحظر التصدير تحديات كبرى، قادرة على عرقلة أو إبطاء مسار التنمية الوطنية. ولكن بالنسبة لشركة أسيلسان (ASELSAN)، العملاق التركي المصنف في المرتبة الثالثة والأربعين عالمياً في الصناعات الدفاعية بحسب تصنيف موقع Defense News، تحولت هذه القيود إلى حافز استراتيجي غير مسبوق. فلم تكن استجابة الشركة لهذه التحديات مجرد دفاع لملء الفراغ، بل كانت اندفاعة جريئة نحو “الاستقلال التكنولوجي” و “التوطين”، محوّلة الإكراه الخارجي إلى ميزة تنافسية حقيقية دفعت بمنتجاتها إلى التفوق على مثيلاتها الغربية في السوق الدولية، عزز من مكانتها كـ “علامة تجارية دولية للدفاع”.

استراتيجية أسيلسان لـ “الاستقلال التكنولوجي” و”التوطين” لم تكن مجرد استجابة دفاعية للقيود الخارجية (مثل الحظر)، بل كانت قوة دافعة للابتكار أدت إلى تفوق منتجاتها الرئيسية على نظرائها الغربيين في السوق العالمية، مما عزز مكانتها كـ “علامة تجارية دولية للدفاع”.

يتم تجسيد هذا التحول الاستراتيجي في 4 محاور مترابطة: قصة نجاح تحويل الحظر إلى تفوق تقني، الاستثمار الاستراتيجي في الأنظمة الفرعية الحرجة، الهيكلة التمويلية المكرسة للبحث والتطوير الداخلي، والاستدامة عبر استقطاب وتدريب جيل الهندسة الشاب.

1. التحول من التبعية إلى التفوق: قصة ASELFLIR 500

يُعد نظام الاستشعار الكهروبصري المحمول جواً ASELFLIR 500 دليلاً قاطعاً على أن القيود يمكن أن تكون محفزة للإبداع. ففي الوقت الذي كانت فيه تركيا تبرز كقوة عالمية في تصنيع الطائرات المسيرة (UAVs)، كان مورّدو هذه الطائرات يحصلون على الكاميرات البصرية اللازمة من شركات دولية. وعندما فُرِض حظر على توريد هذه الكاميرات من بلد أجنبي، طلب الجيش التركي من أسيلسان تطوير بديل محلي، وفقًا لما أفاد به مسؤولو الشركة.

كان الرد لا يقتصر على تطوير بديل فحسب، بل على تطوير “نسخة أفضل”. تشير البيانات التقنية إلى أن كاميرا ASELFLIR 500، التي طورتها أسيلسان، توفر دقة كشف وتعريف وتحديد هوية أفضل بنسبة تتراوح بين 20% و 25% مقارنة بالكاميرا المنافسة التي كانت خاضعة للحظر، وذلك على الرغم من أن كلتيهما تستخدمان حجم الحامل نفسه (gimbal size).

وفي تطور لافت، بمجرد أن أعلنت أسيلسان عن جاهزية منتجها وتفوقه، رفعت القيود، لكن أسيلسان لم تعد تشتري المنتج الأجنبي.

ولم يقتصر نجاح الكاميرا الجديدة على الساحة المحلية؛ فقد نجحت الشركة في إبرام عقود تصدير مع 16 دولة في عامها الأول من التطوير، ووصل عدد الدول المتعاقدة معها الآن إلى 24 دولة. بل إن هذا التفوق دفع عملاء دوليين كانوا قد تعاقدوا بالفعل على كاميرات منافسة، إلى تغيير عقودهم واستبدال كاميرات المنافس بمنتج أسيلسان.

2. الاستثمار في الأنظمة الفرعية الحرجة لضمان الاستقلال

لضمان عدم تكرار تحديات التبعية التكنولوجية، تبنت أسيلسان استراتيجية صارمة لتحقيق الاستقلال على مستوى المكونات والأنظمة الفرعية. هذا التركيز مكّن الشركة من رفع معدل مشاركتها المحلية (Localization Rate) من 20% إلى ما يتجاوز 80% حالياً، ويُعتقد أنه أعلى من ذلك.

يكمن جوهر الاستراتيجية في الاستثمار المكثف في المكونات التي تُعد شريان الحياة للأنظمة الإلكترونية الدفاعية المتقدمة. وهذا يشمل:

الكاشفات الحرارية والمبردة (IR Detectors): تقوم أسيلسان بإنتاج كاشفاتها الحرارية والمبردة وغير المبردة محلياً.

حلول الترددات الدقيقة والموجات المليمترية (Microwave Solutions): يتم إنتاج حلول الموجات الدقيقة، بما في ذلك الأجزاء الحيوية للرادارات.

المواد المتقدمة والشرائح: الاستثمار في شرائح نيتريد الغاليوم (Gallium Nitride chips)، التي تُستخدم في الرادارات المتقدمة (مثل رادار MOSA)، يتم تصنيعها وتصميمها في تركيا عبر شركة تابعة مشتركة. كما تشمل المكونات الأخرى أجهزة التبريد بالنفث المبرّد (cyrojet coolers).

إن الهدف الأسمى من هذه الاستثمارات ليس خفض التكلفة فحسب، بل ضمان أن تكون منتجات أسيلسان “خالية من قيود التصدير الخاصة بالطرف الثالث”. فإذا كان النظام يعتمد على ترخيص تصدير من طرف ثالث، يصبح البائع تحت رحمة التقلبات السياسية للدولة المورّدة. ومن خلال التوطين، تضمن أسيلسان أن يكون ترخيص التصدير التركي وحده كافياً، مما يمنحها حرية حركة أكبر بكثير في السوق العالمية. وقد أدى هذا الجهد إلى توطين وتوفير أكثر من 850 وحدة محلية بحسب مسؤولو شركة أسيلسان.

3. هيكلة البحث والتطوير والتمويل الاستباقي (7% التزام سنوي)

لتحقيق الاستقلال التكنولوجي وضمان استمرار التفوق، تعتمد أسيلسان على هيكل تمويلي صارم ومزدوج للبحث والتطوير (R&D).

أولاً: يتم تمويل بعض القدرات من خلال مشاريع تطوير تعاقدية مع الحكومة.
ثانياً: تلتزم أسيلسان بتمويل ذاتي سخي ومستمر للبحث والتطوير الداخلي؛ حيث تُخصص الشركة 7% من إيراداتها السنوية لهذه الأنشطة. وبناءً على إيرادات الشركة الموحدة التي بلغت حوالي 3.4 مليار دولار، فإن هذا يعني تخصيص ما يزيد عن 200 مليون دولار للبحث والتطوير داخلياً، بالإضافة إلى المشاريع التعاقدية.

يسمح هذا التمويل الاستباقي بالتحرك السريع استجابة لمتطلبات الميدان حتى لو لم يكن هناك عقد رسمي أو ميزانية مخصصة في البداية.

ومن الأمثلة على ذلك، تطوير نظام التشويش Antidote 2 للطائرات المسيرة (الذي وصفه مسؤول شركة أسيلسان بأنه أخف نظام تشويش راداري في العالم بوزن 11 كجم) استجابة لطلب من المستخدم النهائي في الميدان، وتم تطويره في 6 أشهر فقط وبتمويل داخلي (Internal Funds) في البداية. هذا التمويل الداخلي يشير إلى أن الابتكار ليس رد فعل سلبي، بل هو عملية مستمرة وممولة بشكل جيد لإنشاء منتجات ذات ميزة تنافسية.

4. الاستدامة عبر جيل الهندسة الشاب والدافع الوطني

إن المحرك الأساسي لاستراتيجية أسيلسان ونجاحها في تحويل القيود إلى مزايا هو “رأس مالها البشري”. تعتبر أسيلسان نفسها “شركة تكنولوجيا وهندسة”.

تُدار الشركة بواسطة قوة هندسية ضخمة، حيث يشكل المهندسون 65% من إجمالي موظفيها البالغ عددهم أكثر من 13,000 موظف في الشركة الأم (وأكثر من 15,000 مع الشركات التابعة). هذه الكوادر الشابة تتمتع بقدر عالٍ من الحيوية والخبرة في آن واحد:

شركة شابة ذات خبرة: يبلغ متوسط عمر موظفي الشركة 33 عاماً مع أكثر من 10 سنوات من الخبرة.

الامتياز والدافع الوطني: يُعتبر العمل في هذا القطاع في تركيا “امتيازاً”، على عكس العديد من الدول التي لم يكن العمل في صناعة الدفاع فيها مرغوباً بشدة في السنوات الأخيرة. هذا الدافع الوطني هو “أقوى أداة” للصناعة الدفاعية التركية مؤخراً، ويؤدي إلى وصول “عشرات الآلاف من طلبات التوظيف” إلى قسم الموارد البشرية في أسيلسان.

ثقافة الابتكار والذكاء الاصطناعي: تتيح أسيلسان للمهندسين الشباب الانخراط مباشرة في التكنولوجيا المتقدمة. وقد قام الرئيس التنفيذي للشركة بتحديث الإجراءات الداخلية للشركة لضمان تطبيق الذكاء الاصطناعي في “كل مرحلة من مراحل التصميم”. وهذا يضمن أن الجيل الجديد يعمل باستمرار على أحدث الحلول القائمة على التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.

أسيلسان.. مهندس تكنولوجي

لقد أثبتت أسيلسان أن القيود المفروضة من الخارج لم تكن سوى عقبات مؤقتة على طريق بناء استقلال تكنولوجي أعمق وأكثر شمولاً. فمن خلال الاستثمار الاستراتيجي في توطين المكونات الحرجة، والالتزام بتمويل البحث والتطوير الداخلي بأكثر من 200 مليون دولار سنوياً، وتطوير منتجات متفوقة مثل ASELFLIR 500 التي تغلبت على مثيلاتها الغربية، نجحت أسيلسان في تحويل الحظر إلى ميزة تنافسية. إن هذه الاستراتيجية الشاملة، المدعومة بجيل من المهندسين الشباب ذوي الدافع الوطني، لم تخدم الردع الوطني فحسب، بل رسّخت أيضاً مكانة أسيلسان في السوق العالمية كـ “مهندس تكنولوجي” قادر على المنافسة ليس فقط في حجم الإيرادات (3.55 مليار دولار)، بل في جودة وكفاءة الابتكار.

The post قصة ASELFLIR 500: كيف حولت “أسيلسان” الحظر التكنولوجي إلى ميزة تنافسية عالمية appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top