دفاع العرب Defense Arabia
وليد الحلبي
تُشير صفقة مقاتلات سوخوي ‘سو-35’ (Su-35) بين إيران وروسيا إلى تحوّل نوعي ملموس في هيكل القوات الجوية الإيرانية، التي عانت طويلاً من تقادم أسطولها. يُعدّ هذا الاستحواذ، الذي يندرج ضمن شراكة استراتيجية أوسع بين طهران وموسكو، كسراً فعلياً للحصار التكنولوجي الغربي المفروض على إيران لعقود.
إلا أن التحليل المعمق لميزان القوى الجوي في الشرق الأوسط يُبين أن هذه الخطوة، على أهميتها القصوى لطهران، لا تُترجم بالضرورة إلى تحقيق توازن كامل مع القوى الإقليمية الأخرى. تكمن الفجوة الهيكلية والعملياتية الكبيرة التي تفصل القوة الجوية الإيرانية عن التفوق الاستراتيجي لدول الخليج في البنية العميقة للقيادة والسيطرة الجوية المتكاملة (C4ISR)، والتفوق النوعي للتسليح الغربي، والجاهزية اللوجستية التي لا يمكن لطهران سدها بكمية محدودة من طائرات الجيل 4.5.

دلالات الصفقة وحجم الطموح الإيراني
تُؤكد الأنباء المتداولة عن الصفقة المحتملة بين إيران وروسيا، التي تُقدّر قيمتها الأولية بـ 686 مليون دولار مع تسليم على مراحل، جدية هذا التوجه التحولي. يُمثل وصول طائرات ‘سو-35’ دفعة استثنائية للقدرات الجوية الإيرانية. يُفصّل المراقبون أن الصفقة تُعتبر جزءاً من تحول استراتيجي أوسع بين البلدين، يُعززه توافق المصالح في مواجهة النفوذ الغربي والعقوبات الدولية المفروضة على الدولتين.
تُشير التقديرات الأولية إلى أن طهران قد تخطط لاقتناء ما يصل إلى 50 مقاتلة من طراز ‘سو-35’، وهو رقم يتجاوز العدد المعلن سابقاً (24 طائرة)، مما يُظهر طموحاً إيرانياً أبعد من مجرد سد النقص. ويُحتمل أن يتم تسليم إيران هذه المقاتلات في إطار نوع من المقايضة، تقدم بموجبها طهران دعماً عسكرياً لروسيا عبر تزويدها بالطائرات المسيرة المتقدمة وبعض أنواع الأسلحة التي تحتاجها موسكو في الصراع الأوكراني.
تحديات الإمداد والجاهزية المستقبلية
يُبرز هذا الاعتماد على المقايضة مدى التوافق الاستراتيجي المتنامي، لكنه في الوقت نفسه يُعرّض طهران لخطر لوجستي مستقبلي. يُعتقد أن هذا الترتيب يضع إيران في موقع قوة تفاوضية غير مسبوقة للحصول على تقنيات عسكرية حساسة، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي متطورة مثل إس-400 وتور-إم2.
لكن، استمرار استنزاف روسيا في أوكرانيا يُلقي بظلال من الشك على قدرتها على توفير الدعم اللوجستي وقطع الغيار والصيانة المعقدة على المدى الطويل، مما يُهدّد معدلات جاهزية الأسطول الإيراني مستقبلاً. يمكن لدمج طائرات ‘سو-35’، إلى جانب قدرات الطائرات بدون طيار المتزايدة، أن يعزز قدرة إيران على ردع التهديدات المحتملة وتأكيد طموحاتها الإقليمية، ليُحدث بذلك مرحلة جديدة في التحديث العسكري للبلاد.
سو-35: تفاصيل القفزة النوعية لسلاح الجو الإيراني
تُدخل ‘سو-35’، المصنفة كمقاتلة من الجيل 4.5، قدرات غير مسبوقة لسلاح الجو الإيراني. تُعاني القوات الجوية الإيرانية حالياً من أسطول مختلط وقديم، تُشكّل أبرز مكوناته طائرات أمريكية تعود لحقبة السبعينيات (مثل F-4 Phantom و F-14 Tomcat) وطائرات روسية قديمة (مثل MiG-29). يُمثل دمج ‘سو-35’ تحولاً جذرياً مقارنةً بالاعتماد على الهندسة العكسية وتهريب قطع الغيار للحفاظ على تلك الطائرات العتيقة.
تُعتبر ‘سو-35’، المعروفة باسم “فلانكر-إي”، واحدة من أكثر المقاتلات الروسية تقدماً، وتتميز بكونها طائرة بمحركين، وذات تفوق جوي وقادرة على تنفيذ مهام الهجوم البري. تُجهز المقاتلة برادار قوي من طراز Irbis-E ونظام إلكترونيات طيران متقدم، يتيح لها حمل مجموعة واسعة من الصواريخ جو-جو وجو-أرض. كما توفر محركات الدفع الموجهة (Thrust Vectoring) في Su-35 قدرة فائقة على المناورة، مما يمنحها ميزة كبيرة في سيناريوهات القتال الجوي القريب (WVR).
إعادة هيكلة العقيدة التشغيلية
تُركّز الاستعدادات الإيرانية على إعادة هيكلة قواعدها لاستيعاب الطائرات الجديدة. تُظهر صور الأقمار الصناعية بناء ملاجئ خاصة في القاعدة الجوية التكتيكية الثالثة بالقرب من همدان. تُشير التقارير إلى أن طهران تخطط لاستبدال طائراتها F-14 Tomcat القديمة المتمركزة في أصفهان بالمقاتلات الجديدة Su-35SE، وربما التخلص من جزء من أسطول F-4 Phantom.
يُمثل هذا الانتقال من الطائرات الأمريكية المصممة للاعتراض (F-14) إلى مقاتلة روسية متعددة الأدوار ‘سو-35’ تحولاً كاملاً في العقيدة التشغيلية واللوجستية. تعتمد F-14 تاريخياً على القتال بعيد المدى (BVR) باستخدام صواريخ فينيكس (التي لم تعد قيد الخدمة)، بينما تُركّز ‘سو-35’ على المدى المتوسط والمناورة الفائقة في القتال القريب. هذا التحول يتطلب تدريب الطيارين الإيرانيين على تكتيكات قتال جوي مغايرة جذرياً لخبرتهم الممتدة لعقود.
علاوة على ذلك، يُلاحظ أن العدد الأولي المتوقع (24 إلى 50 طائرة) يُعتبر غير كافٍ لتغطية العمق الجغرافي الواسع لإيران والمحافظة على دوريات قتالية جوية مستمرة في مناطق التوتر الرئيسية، مثل مضيق هرمز. يُرجّح أن تتركز المقاتلات الجديدة في قواعد قليلة، مما يجعلها أهدافاً عالية القيمة وعرضة للاستهداف في حال نشوب صراع واسع النطاق، خاصة عند مواجهة تكتيكات الضربة بعيدة المدى التي تعتمدها دول الخليج وحلفاؤها.
سو-35 في ميزان القوة الإقليمية: التفوق النوعي الغربي
على الرغم من تفوقها في المناورات الحركية، تشير التقييمات الفنية إلى أن المقاتلة الروسية ‘سو-35’ تقع في مرتبة أدنى من طائرات الجيل الأحدث، مثل ‘إف-15 إي إكس’ (F-15EX) وأحدث إصدارات ‘يوروفايتر تايفون’ و ‘رافال’ التي تخدم في أساطيل دول الخليج الجوية. يعود هذا التفوق الغربي لثلاثة عوامل رئيسية: أنظمة الرادار المتقدمة، الذخائر المتفوقة، ومنظومات الحرب الإلكترونية.
فجوة الرادار والذخائر (BVR)
تُشغل معظم المقاتلات الغربية المتقدمة في المنطقة رادارات من طراز AESA (Active Electronically Scanned Array)، يتميز بالتفوق في المدى، ومقاومة التشويش، وقدرة تتبع الأهداف المتعددة مقارنةً برادار Irbis-E الروسي الذي يستخدم تقنية PESA (Passive Electronically Scanned Array).
وتُعدّ فجوة الذخائر الجوية هي الأكثر أهمية في القتال الجوي الحديث. يُلاحظ المحللون أن الصواريخ الروسية جو-جو الموجهة بالرادار (مثل R-77) تُعادل في أحسن الأحوال أداء النسخ القديمة من صاروخ AIM-120 الأمريكي (AMRAAM)، بينما تتفوق الذخائر الغربية الحديثة مثل AIM-120D وصاروخ Meteor الأوروبي بشكل كبير في المدى، والسرعة، وقدرات “أطلق وانسَ”. وتُشير المقارنات أيضاً إلى أن صواريخ AIM-9X الأمريكية قد تجاوزت قدرات صواريخ R-73 الروسية في القتال القريب.
الحرب الإلكترونية وواجهة المشغل
يُقرّ التحليل بأن الأنظمة الروسية قد تتمتع بنقاط قوة في الحرب الإلكترونية الهجومية والتشويش، لكن الأنظمة الغربية في Typhoon (DAS) لها الأفضلية في المساعدات الدفاعية وجمع المعلومات الاستخبارية السلبية (ELINT).
كما تُبرز مشكلة أخرى في واجهة المشغل (Man-Machine Interface)؛ تُشير التقارير إلى أن سهولة الطيران والقتال (كنظام أسلحة متكامل) في مقاتلات مثل Typhoon تتفوق على ‘سو-35’، حيث عانت الطائرات الروسية تاريخياً من تعقيد في واجهة التعامل مع الطيار، حتى مع دمج شاشات العرض الرقمية متعددة الوظائف.
يُفسّر التفوق الغربي في منظومات BVR (القتال خارج نطاق الرؤية) بمنهجية حلف الناتو وحلفائه في تجنب القتال القريب. تعتمد Su-35 على مناوراتها الفائقة في القتال الوشيك. لكن المنظومات الغربية المتفوقة في C4ISR والذخائر بعيدة المدى تتيح للمقاتلات الخليجية الاشتباك وتدمير الأهداف قبل أن تصل ‘سو-35’ إلى المدى الذي يمكنها فيه استغلال تفوقها الحركي. هذا يعني أن ‘سو-35’ ستُجبر على خوض معركة وفق شروط الخصم، مما يُقلّل بشكل حاسم من فرصها في سيناريو قتالي متكامل.
العقدة الكبرى: القيادة والسيطرة والاستخبارات (C4ISR)
يُعدّ التفوق في منظومات القيادة والسيطرة والإنذار المبكر المحمولة جواً (AWACS) هو العامل الحاسم الذي يُضعف بشكل دائم مكاسب إيران النوعية. تُشكّل هذه المنظومات العمود الفقري للتفوق الجوي الإقليمي، حيث تمنح دول الخليج وعياً ظرفياً لا مثيل له.
أبراج المراقبة الجوية لدول الخليج: AWACS و GlobalEye
تُشغّل المملكة العربية السعودية طائرات E-3 Sentry AWACS، وهي منصة إنذار وتحكم محمولة جواً. تُستخدم هذه المنصات في رصد وإدارة المعركة الجوية على نطاق استراتيجي واسع، موجّهة المقاتلات الصديقة وتوفير التغطية الرادارية بعيدة المدى.

كما تُعزّز الإمارات العربية المتحدة قوتها بمنظومة Saab GlobalEye المتقدمة، والتي استلمت الطائرة الخامسة منها في سبتمبر 2024. يُمكّن هذا النظام متعدد المهام من توفير قدرات استشعار واسعة النطاق تشمل الأهداف الجوية والبحرية والبرية، موفراً وعياً استراتيجياً كاملاً بمسرح العمليات.

هيكل القيادة والتحكم الإيراني: شبكة “فكور” الأرضية
تعتمد إيران في المقابل على شبكات دفاع جوي أرضية مركزية. تستخدم منظومة القيادة والتحكم التكتيكية الذكية “فكور” لجمع المعلومات من جميع مصادر الدفاع الجوي الإيرانية (رادارات عسكرية ومدنية، وعناصر رصد، ومنظومات صاروخية). تقدم منظومة فكور صورة متكاملة للمنطقة المكلفة بتغطيتها، وتعمل على توجيه منظومات الدفاع الجوي الأرضية (مثل منظومة خرداد 15).
يُحدّد غياب منصة AWACS إيرانية مخصصة (جوية) الحدود العملياتية لطهران. تُحلّق منصات AWACS الغربية (E-3, GlobalEye) على ارتفاع عالٍ وفي عمق الأراضي الصديقة، مقدمة رؤية كاملة وغير منقطعة لمسرح العمليات، وموجّهة المقاتلات الغربية في الوقت الحقيقي لتنفيذ اشتباكات BVR. في المقابل، منظومة فكور، على الرغم من كونها “شبكة ذكية”، تظلّ نظام تحكم أرضي (GCI) يعاني من محدودية الرؤية بسبب انحناء الأرض، ويصبح أكثر عرضة للاستهداف أو التعطيل بالحرب الإلكترونية المكثفة مقارنةً بمنصة جوية متحركة. يُترجم هذا القصور إلى نقص حاسم في الوعي الظرفي الإيراني، وهو ما يُضعف إلى حد كبير فعالية مقاتلات Su-35 الجديدة.
تُضاعف منظومات C4ISR المتقدمة (AWACS/GlobalEye) من فعالية كل مقاتلة F-15 أو Typhoon. تُصبح المقاتلة الخليجية أكثر فتكاً بكثير عندما تتلقى تحديثات استهداف متواصلة من GlobalEye، مما يتيح لها البقاء صامتة رادارياً حتى اللحظة المناسبة لإطلاق صاروخها بعيد المدى. ‘سو-35’ الإيرانية، باعتمادها على رادارها الخاص فقط، تجد نفسها في وضع قتال “معزول” عملياتياً مقارنةً بخصم متصل بشبكة قيادة وسيطرة كاملة.
التحديات اللوجستية والعملياتية لدمج السو-35
تتطلب عملية دمج مقاتلة متطورة من الجيل 4.5 مثل ‘سو-35’ جهداً لوجستياً ومالياً وعملياتياً هائلاً. تستلزم هذه الطائرات تدريباً مغايراً ومكثفاً للطواقم. تتناول التقارير ضرورة تدريب طيارين إيرانيين في روسيا، بالإضافة إلى الحاجة لتدريب طاقم تشغيل وصيانة يصل إلى 500 فرد لضمان جاهزية الأسطول. يفرض هذا تحدياً على القوات الجوية الإيرانية (IRIAF) لتغيير بنيتها المعرفية والعملياتية بشكل جذري بعد عقود من الاعتماد على طائرات أمريكية قديمة.

يُفاقم اعتماد إيران الكامل على موسكو لقطع الغيار والصيانة المعقدة من صعوبة الموقف في ظل استمرار العقوبات الدولية. ويُعتبر استمرار الصراع في أوكرانيا عاملاً حاسماً في تعقيد سلسلة الإمداد. تُعطي موسكو الأولوية لجهدها الحربي الخاص، مما يهدد توافر قطع الغيار المتخصصة والتدريب العميق اللازمين لصيانة أسطول إيراني حديث.
يُشكّل هذا الوضع تحدياً مباشراً لمعدلات الجاهزية القصوى (Mission Capable Rate) للطائرات. يُعتقد أن النقص في قطع الغيار والدعم الفني المستمر سيؤدي إلى انخفاض كبير في معدل قدرة الأسطول على الإقلاع القتالي، مقللاً عملياً من العدد الفعلي للمقاتلات المتاحة في أي صراع محتمل، وبالتالي يُضعف قوة الردع المكتسبة. يُضاف إلى ذلك التحدي الهيكلي المتمثل في ازدواجية القيادة العسكرية في إيران، حيث تتوزع المهام بين الجيش والحرس الثوري الإيراني (الذي يُشرف على القوة الجوفضائية)، مما قد يؤدي إلى تنافس على موارد التدريب والصيانة المحدودة.
التداعيات الجيوسياسية والتوصيات الاستراتيجية
يُعتبر إتمام صفقة Su-35 بمثابة إعلان تحول جيوسياسي، يُرجّح أن يُحفّز سباق تسلح إقليمي موجهاً نحو الحفاظ على التفوق النوعي الغربي. تُدرك دول الخليج، ولاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أهمية هذه الخطوة، مما سيدفعها إلى تسريع تعزيز بنيتها الدفاعية. تُركّز الاستجابة الخليجية على ثلاثة محاور متكاملة:
- تعزيز الدفاعات الجوية الصاروخية (PADS).
- الاستثمار بشكل أكبر في C4ISR المتفوق (مثل GlobalEye).
- السعي نحو تسريع الحصول على مقاتلات الجيل الخامس، حيث تُشير التقارير إلى احتمال سعي دول الخليج للحصول على F-35 للحفاظ على التفوق النوعي المطلق على إيران.
يجب التنويه إلى أن ‘سو-35’ ستغيّر قواعد الاشتباك مقارنة بالماضي، حيث أصبح سلاح الجو الإيراني الآن قادراً على فرض تكلفة أعلى بكثير على أي خصم محتمل. لكن هذه المقاتلات لا تستطيع تحقيق توازن كامل في ميزان القوى الإقليمي.
The post “سو-35” الإيرانية vs. منظومات AWACS الخليجية.. هل تحسم القيادة والسيطرة مصير أي معركة جوية؟ appeared first on Defense Arabia.
.png)