“إيديكس” 2025 رسالة مصر للعالم.. قوة راسخة في زمن التحديات الإقليمية

0

دفاع العرب Defense Arabia

بقلم: أ.د. غادة محمد عامر
أستاذ هندسة القوى الكهربائية – كلية الهندسة- جامعة بنها
زميل وحاضر – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

في خضم منطقة تعج بالتوترات الجيوسياسية، من الانتهاكات الإسرائيلية لقطاع غزة وتجرؤها على حدود دول عربية عديدة، والصراعات الدائرة في ليبيا والسودان إلى الأزمة المتفاقمة في اليمن وتأثيرهم على الملاحة في البحر الأحمر، يظهر معرض مصر الدولي للصناعات الدفاعية والأمنية (EDEX 2025) كمنصة استثنائية تتجاوز البعد التجاري البحت. إنه حدث استراتيجي يحمل رسائل سياسية وعسكرية واضحة ومباشرة، موجهة بدقة إلى الداخل المصري والخارج الإقليمي والدولي. فتنظيم هذا المعرض في هذا التوقيت الحساس يؤكد أن مصر ليست مجرد مراقب للأحداث، بل فاعل رئيسي يمتلك أدوات القوة العسكرية الذكية والدبلوماسية لإدارة الأزمات وحماية مصالحها القومية. إن المعرض الدولي للصناعات الدفاعية والأمنية (EDEX) يُعد حدثاً محورياً يتجاوز كونه تجمعاً لعرض الأسلحة والمعدات العسكرية، فلقد رسخ  مكانته كمنصة استراتيجية لدولة المقر، مصر، محققاً طفرات نوعية على الأصعدة العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية. فمنذ انطلاق نسخته الأولى في عام 2018م، برعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، أصبح المعرض هو الحدث الدفاعي الأوحد الذي يغطي منطقتي أفريقيا والشرق الأوسط معاً، مما يمنح مصر ثقلاً تفاوضياً ورسالة قوة للعالم أجمع. ومن أهم الرسائل التي يحملها هذا الحدث الاستراتيجي:

الرسالة الأولى: للداخل.. طمأنينة وثقة في قدرات الدولة

تتجه أنظار الشعب المصري نحو المعرض كدليل مادي على قوة دولته وقدرتها على حماية أمنها القومي في محيط إقليمي مضطرب، ففي ظل حالة عدم الاستقرار التي تسود المنطقة، يقدم “إيديكس” رسالة طمأنينة قوية للمواطن المصري بأن قيادته السياسية والعسكرية لا تدخر جهداً في امتلاك أحدث التقنيات الدفاعية. ويُظهر الحضور المكثف للشركات العالمية وعرض أحدث الأسلحة أن مصر ليست معزولة، بل هي شريك موثوق ومحور اهتمام القوى الكبرى في مجال الدفاع. كذلك يمثل المعرض فرصة لإبراز الإنجازات المصرية في توطين الصناعة العسكرية، فعرض منتجات مثل المركبات المدرعة المحلية وقاذفات الصواريخ والذخائر الذكية، تلك المنتجات التي هي نتاج تعاون بين القوات المسلحة والمصانع المدنية، يعكس تضافر الجهود الوطنية، ويغذي شعور الفخر الوطني ويؤكد أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية.  لقد ظهر معرض الدفاع المصري كمنصة إقليمية رائدة تجمع بين الشراء الدفاعي والتقنيات المتقدمة والحوار الاستراتيجي، وهو فرصة كبيرة  لتعزيز الأمن السيادي والاندماج الاقتصادي والتوازن الدولي. كما يساهم المعرض في نقل التكنولوجيا والابتكار وبناء القدرات، فهو يتيح للمهندسين والخبراء المصريين التفاعل المباشر مع نظرائهم الأجانب، مما يسرع من عمليات نقل المعرفة والخبرات، ويساهم في رفع كفاءة المصانع الحربية المصرية وتطوير خطوط إنتاجها. أما من حيث الأثر الاقتصادي وتطوير الصناعة فيجذب المعرض مقاولين دوليين ومزودي تكنولوجيا وشركاء تمويل مما يفتح أبواب التعاقدات والتقنيات ونقل المعرفة وتوطين التصنيع. ويمثل تبادل المعرفة فرصة لتسريع نمو القدرات في أنظمة التكامل الأمن السيبراني والمنصات المستقلة، كما يمكن أن تسفر مشاريع مشتركة وتعاون بحثي مع شركاء دوليين عن حلول قابلة للتكييف محلياً تدعم بيئة البحث والتطوير في مصر، وهو ما يسهم في توسيع سلسلة القيمة المحلية في الدفاع عبر التصنيع والصيانة والتدريب والخدمات اللوجستية، وتوفير فرص عمل مهارية وتطوير شركات صغيرة ومتوسطة وفق معايير عالمية، كما ينعش الحدث السياحة والضيافة والمطاعم من خلال تعزيز الإشغال الفندقي والطلب على النقل والخدمات. وفي إطار التوافق مع السياسات الأمنية والاتصالات الاستراتيجية، يوفر المعرض منصة فعالة لإيصال الأولويات الدفاعية داخلياً وخارجياً بشكل منسجم مع الأهداف الوطنية العامة، كما يساهم في ربط الشراء والتطوير الصناعي بالتقدم التكنولوجي والتنوع الاقتصادي ضمن رؤية استراتيجية شاملة، تحقق الأمن والاستقرار الداخلي.

إيديكس 2023» يفتح أبوابه أمام الزائرين ويستقبلهم بالموسيقى العسكرية - الأسبوع

الرسالة الثانية: للخارج.. قوة لا يستهان بها وشريك موثوق

الرسائل الموجهة للمجتمع الدولي عبر “إيديكس” تتسم بالوضوح والحسم، خاصة في ضوء التحديات الأمنية الراهنة. فتنظيم المعرض بنجاح وبحضور دولي رفيع المستوى هو رسالة ردع واضحة لأي جهات قد تفكر في تهديد الأمن القومي المصري، سواء على الحدود الشرقية مع إسرائيل والغربية مع ليبيا أو الجنوبية مع السودان، أو التهديدات البحرية. إنه تأكيد على جاهزية القوات المسلحة المصرية، التي تعد من أكبر القوى العسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط. كما يرسخ المعرض مكانة مصر كـ “ركيزة للاستقرار” في المنطقة، كونه الحدث الأكبر والوحيد من نوعه الذي يخدم المنطقتين معاً، كما تحول “إيديكس” إلى “بوابة” إلزامية للشركات العالمية الراغبة في اختراق أسواق الدفاع الواعدة في القارة السمراء والمنطقة العربية. هذا التموضع يعزز الدور المصري كوسيط تجاري وشريك استراتيجي لهذه الأسواق. وتؤكد مصر قدرتها على قيادة الحوار الأمني وبناء تحالفات إقليمية لمواجهة التحديات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتهريب والهجمات السيبرانية من خلال الجمع بين وفود من أكثر من 100 دولة لمناقشة تحديات الأمن والدفاع خاصة في ظل التطور التكنولوجي. ويعكس المعرض سياسة مصر الخارجية المتوازنة وعدم ارتهانها لمصدر سلاح واحد، حيث يشارك في المعرض عارضون من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، والصين، وكوريا الجنوبية، وغيرهم الكثيرين. هذا التنوع يعكس أن مصر تتعامل بندية مع الجميع وتختار ما يناسب احتياجاتها الدفاعية بناءً على الكفاءة ونقل التكنولوجيا. وعن الدبلوماسية والقوة الناعمة والاستقرار الإقليمي يظهر دور مصر كمركز إقليمي للحوار الدفاعي مما يعزز التعاون عالي المستوى بين صناع السياسات والجيش والصناعة كما يدعم الحوار حول التحديات الأمنية وإدارة الأزمات والاستجابة للكوارث وهو ما يساند الاستقرار الإقليمي من خلال الشفافية وبناء الثقة كما أن قدرة مصر على استضافة حدث دولي كبير ترفع من سمعتها التنظيمية والالتزام بالمعايير الدولية وتعزز مكانتها الإقليمية والدولية.

رؤية مستقبلية متكاملة

يمثل معرض “إيديكس” تجسيداً عملياً لرؤية الدولة المصرية الشاملة التي تدرك أن القوة العسكرية، والاقتصادية وجهان لعملة واحدة، كذلك يجسد قدرتها على تحويل التحديات الإقليمية إلى فرص لتعزيز أمنها القومي وتأكيد دورها المحوري. إن معرض “إيديكس” ليس مجرد معرض تجاري، بل هو بيان سياسي وعسكري يعلن للعالم أجمع أن مصر دولة قوية، آمنة، ومستقرة، تمتلك إرادة التصنيع ورؤية القيادة. فيظل معرض الدفاع المصري أداة سياسة وطنية متعددة الأوجه. فأهميته لا تقتصر على عرض المعدات، بل تمتد لتعزيز السيادة الأمنية، وتنويع الاقتصاد، وتطوير القدرات التكنولوجية، ورفع مكانة مصر كمركز إقليمي لتقنية الدفاع والحوار الاستراتيجي. وأيضا التنظيم الناجح لمعرض بهذا الحجم، والحضور الدولي الكثيف، يبعث برسالة قوية للعالم مفادها أن مصر دولة آمنة ومستقرة وقادرة على فرض سيادتها وتنظيم فعاليات عالمية كبرى. كذلك هو رسالة ردع ضمنية لأي قوى تسعى لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ورسالة طمأنينة للأشقاء والحلفاء بقدرة مصر على حماية أمنها وأمن محيطها. إنه لا يضمن امتلاك القوات المسلحة المصرية لأحدث التقنيات الدفاعية فقط ، بل يضمن أيضاً مستقبلاً أكثر ازدهاراً وأمناً واكتفاءً ذاتياً لمصر وشعبها. إنه استثمار في الحاضر ورؤية ثاقبة للمستقبل.

The post “إيديكس” 2025 رسالة مصر للعالم.. قوة راسخة في زمن التحديات الإقليمية appeared first on Defense Arabia.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top